لن آخذكم إلى خارج القرآن ولكني سأطوف بكم في سوره من جديد، فلنعلم أن السور كلها مسميات، فكل سورة لها اسم به تعرف عند نزولها بلا تريث، فالسورة الثانية من القرآن اسمها البقرة. أليست كذلك؟
بلى، لكن أين ورد اسم البقرة أو ذكرها؟.
لم يرد إلا في الآيات 67 وما يليها من السورة إلى 71.
فهل يمكن أن نبني على أساسكم القائل أن السورة نزلت مقطعة؟. هل يمكن مع هذا أن تسمى السورة بهذا الاسم قبل نزول الآيات التي تذكر فيها البقرة؟. كلا. إذن فكيف سميت السورة بهذا الاسم من البداية!!
لم تسم بهذا الإسم إلا لأنها نزلت كاملة متواصلة حتى النهاية، ولها صح أن يطلق عليها هذا الاسم وبه تسمى وإلا كان الاسم عبثا وإبهاما، وهذا لا يجوز على الله العليم. وكذلك تقول في سورة آل عمران، بل إن سورة المائدة لم تذكر فيها المائدة إلا في أواخرها، فكيف سميت بهذا الاسم من بدايتها؟!.
ومثل ذلك تقول في الأنعام ويونس وإبراهيم والحجر والنمل والشعراء والأحقاف والعنكبوت وسواها. وإذن فإن تسمية السور منذ البداية حتى النهاية، ولهذا فإن تسميتها تصبح قضية غير خافية، وإلا كان الأمر إبهاما وتعمية.
ثم لماذا تسلمون أن قصار السور كانت تنزل كاملة متواصلة ولا تسلمون أن كبارها كذلك؟. هل أنتم في ريب من قدرة الرحمن على ذلك؟. ألم يتحدى الناس في كبار السور بأن باتوا بسورة أو بعشر سور؟، أليس هذا دليلا على الإنزال الكامل لكل سورة، ودفعا لمن يقول أن آيات السور تنزلت مبتورة؟.كلا إنكم لم تقدروا الله حق قدره، ولهذا فالله يقول لكم: (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) [الأنعام: 91].
بل إنه يؤكد لكم أنه أنزل الكتاب المبارك فقال: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) [الأنعام: 92].
إن من يدعي أسباب للنزول ويجعل القرآن مقتسما بلا ترتيل ينطبق عليه ما الله يقول: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون..) [الأنعام: 93].وكيف لا وهؤلاء يضيفون إلى الوحي المنزل بترتيل، أسبابا للتنزيل، وينسبون إلى الله أحوالا لا تليق بمقامه الجليل، فهو يثار بالأفعال، وينبه بما يقال، وينتظر الهدى للناس حتى يأتيه السؤال.
كلا إن هذا باطل لا يرضاه ذو الجلال، وهذا افتراء وكذاب، يأباه أولوا الألباب، الراسخون في علم الكتاب. إن الله حين يتحدث عن القرآن لا يصفه إلا بأنه كتاب وبأنه آيات وبأنه مرتل ترتيلا، وهذه أوصاف تدل على الاتصال والتوالي، وأنه أنزل كتاتب متكاملة، وأرتالا متواصلة، وآيات تتلى، وبينات تترى، ليست مبتورة بترا.
Неизвестная страница