يعيد الآخيون (ويدعون أيضا الدانانيين أو الأرجوسيين) خريسيس إلى أبيها، ويأخذ المرسلون بريسئيس من كوخ آخيل. ويمضي آخيل ليجلس وحيدا على شاطئ البحر. ويذرف الدمع وينادي أمه الإلهية ثيتيس، وهي حورية من حوريات البحر، قائلا:
أماه، بما أنك حملتني، وإن كان حدث لحياة قصيرة، فإنه كان يجب على سيد الأولمب، زيوس مطلق الرعد من الأعالي، أن يضع السؤدد بين يدي، ولكنه لم يقدم من ذلك ولا النزر اليسير. بل إن ابن أتريوس، أجاممنون ذا السلطان المديد، قد سلبني سؤددي، بأخذه غنيمتي بفعلته المتغطرسة واحتفاظه بها. (الإلياذة، 1، 352-356)
تأتي ثيتيس من البحر لتواسيه. ويطلب منها آخيل أن تتشفع إلى زيوس، الذي تتحقق مشيئته دوما، بأن يسقط الآخيون، حلفاؤه السابقون، أمام ضراوة الطرواديين. أما من جانبه هو، فلن يقاتل معهم بعد ذلك.
يختم هوميروس الوحدة (المشهد) بتضرع ثيتيس المستجاب إلى زيوس وبشكوى هيرا التالية بشأن تأثير النساء الأخريات. وفي النهاية يرد هيفايستوس المصلح الأعرج، الذي نجح في مسعاه أكثر مما فعل نيستور على الأرض، سكان الأولمب إلى كئوسهم وإلى عقولهم. (3) «الحلم الملفق» (2، 1-440)
يقدم مشهد «فدية خريسيس» إيضاحا بشأن منشأ التنازع بين آخيل وأجاممنون، ورفض آخيل الغاضب للقتال هو نقطة التحول الأولى في الحبكة؛ إذ يتبدل الآن اتجاه الأحداث تماما. في الفيلم الروائي الطويل الحديث يطلق على السرد حتى نقطة التحول الأولى في الحبكة «التمهيد أو التأسيس» وتستغرق ربع الفيلم، أي حتى الدقيقة الثلاثين. يتسم تمهيد هوميروس بأنه مضغوط على نحو هائل، الأمر الذي يعطي استهلال الشاعر قوة عظيمة؛ فأمور كثيرة تحدث بسرعة كبيرة.
لا بد لتسلسل المشاهد الذي يتبع انسحاب آخيل أن يبين كيف ألحق زيوس الهزيمة بالآخيين، حسب طلب آخيل من ثيتيس وطلب ثيتيس من زيوس. إن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يطفئ غضب آخيل هو موت أصدقائه. ومع أن هوميروس لا ينسى مطلقا مقصده، فإنه الآن ينتهز الفرصة ليروي «قصة حرب طروادة»، ووجود آخيل لا يستشعر إلا بالكاد لفترة طويلة جدا. من الأمور المستحيلة في فيلم معاصر أو رواية معاصرة أن تسقط شخصية رئيسية لثلث القصة، مثلما يسقط آخيل هنا. ومع ذلك فإن تسلسل المشاهد - التي يربط بينها خيط سردي أحيانا ما يكون خفيا - بالفعل يعطي الإحساس بأن الوقت يمر وأن أمورا تحدث بينما آخيل يمضي الوقت مكتئبا في خيمته.
ومن أجل أن يحقق زيوس مقصده المتمثل في معاقبة الآخيين، حسب طلب ثيتيس، يقرر أن يرسل حلما ملفقا إلى أجاممنون. وفي اليوم التالي مباشرة لليوم الذي يستطيع فيه نهب طروادة، سيهمس بالحلم الملفق. من الواضح أن مقصد زيوس هو استدراج الآخيين إلى العراء في انتظار النصر حيث يكونون عرضة لغضب الطرواديين، كما لو كانوا بحاجة لأن يستدرجوا إلى القتال.
يقدم هوميروس الخديعة في صورة ساخرة؛ فيدبر أجاممنون الأخرق، بعد تلقيه للحلم، خطة حمقاء ليعكس رسالة الحلم (الملفق)؛ إذ سوف يخبر القوات أنهم لن يستولوا «أبدا» على طروادة! ظنا منه أن هذا القول سيحفزهم لا محالة على القتال بضراوة أكثر فحسب. بدلا من ذلك يهرب المحاربون الآخيون وهم يصرخون في فوضى عارمة عائدين إلى القوارب، متلهفين للإبحار إلى ديارهم، في فرار جماعي من أجل السلام. ولا يستطيع إيقافهم إلا الداهية أوديسيوس.
إن التسلسل في مجمله طرفة والغرض منه إثارة الضحك؛ إذ تكمن الفكاهة، وهي الشيء الذي يجعلك تضحك أو تبتسم، في الشعور بالتناقض، وثمة الكثير منها في «الإلياذة» (ولكن ليس لها وجود تقريبا في «الأوديسة»). من المفترض أن الآخيين المدرعين بالبرونز لا يتوقون إلى شيء في الحياة أكثر من السؤدد الذي يمكن للبسالة في القتال أن تجلبه، ومع ذلك ففي لحظة وبسبب سوء فهم يهربون مذعورين! إن جمهور هوميروس يطل برأسه عبر هذا المشهد؛ فالطرفة تروق للمقاتلين الذين شعروا بحاجة ماسة إلى مجرد الهرب. وقد كان مقدرا للشاعر الجندي أرخيلوخوس، الذي ربما يكون قد عاش في القرن السابع قبل الميلاد، أن يكتب قصيدة شهيرة يتفاخر فيها بأنه ألقى درعه وهرب؛ إذ كان في استطاعته دوما أن يحظى بآخر، كما أن شعراء آخرين في أزمنة لاحقة تباهوا بالأمر ذاته؛ فالمحاربون الحقيقيون يعرفون قدرا كبيرا للغاية عن الحرب يجعلهم لا يصدقون أن بها صلاحا، وما قد ندعوه الموضوعات المناهضة للحرب كان دوما جزءا من ثقافة المحارب اليوناني.
ينتزع أوديسيوس الصولجان، رمز السلطة، من أجاممنون المرتبك ويستعيد النظام. ويجلس الجميع باحترام عدا ثرسيتيس، «أقبح رجل أتى إلى طروادة»، الذي كان هدفا للسخرية بجسده المشوه ورأسه المدبب. فهو المقابل لآخيل، الذي قيل عنه إنه «أكثر الرجال الذين أتوا إلى طروادة وسامة.» وأورد التراث في أزمنة لاحقة أن آخيل قتل ثرسيتيس؛ لأنه تهكم على آخيل بسبب اشتهائه بينثيسيليا الملكة الأمازونية (التي قتلها آخيل). واعتبر معلقون كثيرون أن ثرسيتيس هو الفرد الوحيد الذي ذكر اسمه، باليونانية
Неизвестная страница