وصنف بهيميتهم وملكيتهم ضعيفتان يلحقون بِالْمَلَائِكَةِ السافلة لأسباب جبلية بِأَن كَانَت ملكيتهم قَليلَة الانغماس فِي البهيمية غير مذعنة لَهَا، وَلَا متأثرة مِنْهَا، وكسبية بِأَن لابست الطهارات بداعية قلبية، ومكنت من نَفسهَا الإلهامات وبوارق ملكية، فَكَمَا أَن الْإِنْسَان رُبمَا يخلق فِي صُورَة الذكران وَفِي مزاجه خنوثة، وميل إِلَى هيآت الْإِنَاث، لكنه لَا يتَمَيَّز شهوات الْأُنُوثَة
من شهوات الذُّكُورَة فِي الصِّبَا، وَإِنَّمَا المهم حِينَئِذٍ شَهْوَة الطَّعَام وَالشرَاب وَحب اللّعب، فَيجْرِي حسب مَا يَأْمر بِهِ من التوسم بسمة الرِّجَال، وَيمْتَنع عَنهُ من اخْتَار زِيّ النِّسَاء حَتَّى إِذا شب، وَرجع إِلَى طَبِيعَته الماجنة استبد بِاخْتِيَار زيهن والتعود بعاداتهن، وغلبت عَلَيْهِ شَهْوَة الأبنة وَفعل مَا يَفْعَله النِّسَاء، وَتكلم بكلامهن، وسمى نَفسه تَسْمِيَة الْأُنْثَى، فَعِنْدَ ذَلِك خرج من حيّز الرِّجَال بِالْكُلِّيَّةِ، فَكَذَلِك الْإِنْسَان قد يكون فِي حَيَاته الدُّنْيَا مَشْغُولًا بِشَهْوَة الطَّعَام وَالشرَاب والغلمة وَغَيرهَا من مقتضيات الطبيعة والرسم، لكنه قريب المأخذ من الْمَلأ السافل قوى الانجذاب إِلَيْهِم، فَإِذا مَاتَ انْقَطَعت العلاقات، وَرجع إِلَى مزاجه، فلحق بِالْمَلَائِكَةِ، وَصَارَ مِنْهُم، وألهم كالهامهم، وسعى فِيمَا يسعون فِيهِ.
وَفِي الحَدِيث " رَأَيْت جَعْفَر بن أبي طَالب ملكا يطير فِي الْجنَّة مَعَ الْمَلَائِكَة بجناحين.
وَرُبمَا اشْتغل هَؤُلَاءِ بإعلاء كلمة الله وَنصر حزب الله، وَرُبمَا كَانَ لَهُم لمة خير بِابْن آدم، وَرُبمَا اشتاق بَعضهم إِلَى صُورَة جسدية اشتياقا شَدِيدا ناشئا من أصل جبلته، فقرع ذَلِك بَاب من الْمِثَال واختلطت قُوَّة مِنْهُ بالنسمة الهوائية، وَصَارَ كالجسد النوراني، وَرُبمَا اشتاق بَعضهم إِلَى مطعوم وَنَحْوه، فأمد فِيمَا اشْتهى قَضَاء لشوقه، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة فِي قَوْله تَعَالَى:
﴿وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله﴾ الْآيَة.
وبإزاء هَؤُلَاءِ قوم قريبو المأخذ من الشَّيَاطِين جبلة، بِأَن كَانَ مزاجهم فَاسِدا يسْتَوْجب آراء مناقضة للحق، منافرة للرأي الْكُلِّي على
طرف شاسع من محَاسِن الْأَخْلَاق، وكسبابان لابست هيئات خسيسة وأفكار فَاسِدَة وانقادت لوسوسة الشَّيَاطِين، وأحاط بهم اللَّعْن، فَإِذا مَاتُوا ألْحقُوا بالشياطين، وألبسوا لباسا ظلمانيا، وصور لَهُم مَا يقضون بِهِ بعض وطرهم من الملاذ الخسيسة، وَالْأول ينعم بحدوث ابتهاج فِي نَفسه، وَالثَّانِي يعذب بِضيق وغم، كالمخنث يعلم أَن الخنوثة أَسْوَأ حالات الْإِنْسَان، وَلَكِن لَا يَسْتَطِيع الإقلاع عَنْهَا.
1 / 78