فالأركان إِذا تصغرت، وامتزجت بأوضاع مُخْتَلفَة كَثْرَة وَقلة حدثت ثنائيات كالبخار وَالْغُبَار وَالدُّخَان وَالثَّرَى
وَالْأَرْض المثارة والجمرة والسفعة والشعلة، وثلاثيات كالطين المخمر والطحلب، ورباعيات نَظَائِر مَا ذكرنَا.
وَتلك الْأَشْيَاء لَهَا خَواص مركبة من خَواص أَجْزَائِهَا، لَيْسَ فِيهَا شَيْء غير ذَلِك، وَتسَمى بكائنات الجو، فتأتي المعدنية، فتقتعد، غارب ذَلِك المزاج، وتتخذه مَطِيَّة، وَتصير ذَات خَواص نوعية، وَتحفظ المزاج، ثمَّ تَأتي الناموية، فتتخذ الْجِسْم الْمَحْفُوظ المزاج مَطِيَّة، وَتصير قُوَّة محولة لأجزاء الْأَركان والكائنات الجوية إِلَى مزاج نَفسه؛ لتخرج إِلَى الْكَمَال المتوقع لَهَا بِالْفِعْلِ، ثمَّ تَأتي الحيوانية، فتتخذ الرّوح الهوائية الحاملة لقوى التغذية والتنمية مَطِيَّة، وتنفذ التَّصَرُّف فِي أطرافها بالحس والإرادة انبعاثا للمطلوب، وانخناسا عَن المهروب، ثمَّ تَأتي الإنسانية، فتتخذ النَّسمَة المتصرفة فِي الْبدن مَطِيَّة، وتقصد إِلَى الْأَخْلَاق الَّتِي هِيَ أُمَّهَات الانبعاثات والانخناسات، فتقينها، وتحسن سياستها، وتأخذها منصة لما تتلقاه من فَوْقهَا، فَالْأَمْر وَإِن كَانَ مشتبها بادئ الرَّأْي لَكِن النّظر الممعن يلْحق كل آثَار بمنبعها، ويفرز كل صُورَة بمطيتها.
وكل صُورَة لَا بُد لَهَا من مَادَّة تقوم بهَا، وَإِنَّمَا تكون الْمَادَّة مَا يُنَاسِبهَا وَإِنَّمَا مثل الصُّورَة كَمثل خلقَة الْإِنْسَان الْقَائِمَة بالشمعة فِي التمثال، وَلَا يُمكن أَن تُوجد الْخلقَة إِلَّا بالشمعة، فَمن قَالَ لِأَن النَّفس النطقية الْمَخْصُوصَة بالإنسان عِنْد الْمَوْت ترفض الْمَادَّة مُطلقًا، فقد خرص نعم لَهَا مَادَّة بِالذَّاتِ، وَهِي النَّسمَة، ومادة بِالْعرضِ، وَهُوَ الْجِسْم الأرضي، فَإِذا مَاتَ الْإِنْسَان لم يضر نَفسه زَوَال الْمَادَّة الأرضية، وَبقيت حَالَة بمادة النسمية، وَيكون كالكاتب الْمجِيد المشغوف بكتابته إِذا قطعت يَدَاهُ، وملكة
الْكِتَابَة بِحَالِهَا، والمستهتر بالمثي إِذا قطعت رِجْلَاهُ، والسميع والبصير إِذا جعل أَصمّ وأعمى.
وَاعْلَم أَن من الْأَعْمَال والهيآت مَا يُبَاشِرهَا الْإِنْسَان بداعية من قلبه، فَلَو خلى وَنَفسه لانساق إِلَى ذَلِك، ولامتنع من مخالفه. وَمِنْهَا مَا يباشره لموافقة الإخوان، أَو لعَارض خارجي من جوع وعطش وَنَحْوهمَا إِذا لم يصر عَادَة لَا يَسْتَطِيع الإقلاع عَنْهَا، فَإِذا انفقأ الْعَارِض انْحَلَّت الداعية، فَرب مستهتر بعشق إِنْسَان أَو بالشعر أَو بِشَيْء آخر يضْطَر
1 / 75