<18> قال الخزري: أراك تنحي على الفلاسفة وتنسب إليهم ضد ما شهر عنهم، حتى من اعتزل وتزهد قيل إنه تفلسف وأخذ برأي الفلاسفة، وأنت تسلبهم كل عمل صالح.
<19> قال الحبر: بلى إن الذي قلت هو أصل عقيدتهم، إن السعادة القصوى للإنسان إنما هو العلم النظري وحصول الموجودات معقولات بالعقل بالقوة، فيصير عقلا بالفعل ثم عقلا مستفادا مقاربا للعقل الفعال فلا يخاف الفناء. وهذا لا يتم إلا بافناء العمر في البحث ودوام الفكر. وهذا لا يتم مع شغل الدنيا. فلذلك رأوا بالزهد في المال والجاه واللذة والبنين كي لا تشغله عن علم. فمتى حصل الإنسان عالما بتلك الغاية المطلوبة من العلم فلم يبالي بما يعمل فإنهم لا يتورعون ليجازا على تورعهم ولا يرون أن على أخذهم مالا حراما أو قتلهم كانو يعقبون عليه. لكن أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر بطريق الأولى والأفضل والتشبه بالخالق الذي وضع الأمر على الطريق الأصلح، فانتجوا النواميس وهي سياسات غير لازمة، لكن مستثني بها إلا إن كانت ضرورة. وليس الشريعة كذلك، إلا في أجزاء سياسية قد تبين في العلم الشريعي ما يحتمل الاستثناء وما لا يحتمله.
<20> قال الخزري: لقد طمس هذا النور الذي تصفه طموسا يستبعد ظهوره، ودثر دثورا لا يظن بغبرة.
<21> قال الحبر : إنما طمس في عين من لا يرانا بعين البصيرة، فيستدل من ذلتنا ومسكنتنا وشتاتنا على طمس نورنا، ويستدل من ظهور غيرنا وظفره بالدنيا واستيلاؤه علينا على أن له نورا.
<22> قال الخزري: لست أستدل بهذا، فإني أرى الملتين المتضادتين ظافرتين وليس يمكن أن يكون الحق في طرفي النقيض لكن في أحدهما، أو ليس في واحد منهما، وقد فسرت لي في הנה ישכיל עבדי ما دل على أن الذلة والخضوع أليق بالأمر الإلهي من الظهور والتجبر. وهذا أيضا مشهور عند الملتين فإن النصارى ليس يستظهرون بالملوك والجبابرة والأغنياء لكن بأولئك التابعين لישו طول تلك المدة المديدة التي لم يقم فيها دينه وكانوا أولئك ينتفون ويختفون ويقتلون حيث ما وجد منهم واحد، وحملوا على نصرة دينهم عجائب من الذل والقتل فهم الذين يتبارك بهم وتفضل مواضعهم ومصارعهم وتبني الكنائس على أسمائهم. وكذلك أنصار صاحب الإسلام قد حملوا من الذل كثيرا حتى نصروا، وبأولئك يستظهرون وبهم وبذلتهم وموتهم شهداء يفتخرون، لا بالأمراء المستظهرين بأموالهم وسعة أحوالهم، بال بالذين يلبسون الخلق ويأكلون الشعير ولا يشبعون. لكن يا حبر اليهود كان منهم هذا مع غاية الاعتزال والانقطاع إلى الله تعالى، فلو رأيت اليهود يفعلون هذا لذات الله لفضلتهم على الملوك الداودية، لأني أعلم ما علمتني في قول ואת דכא ושפל רוח וגו' وأن نور الله إنما يحل بنفوس المتواضعين.
<23> قال الحبر: حق لك أن تعيرنا بهذا. لأنا حصلنا على الذل دون نتيجة. لكن إذا تفكرت في المتفخرين منا الذين كانوا يقدرون على دفع الذل عن أنفسهم بكلمة يقولونها دون كلفة، ويحصلون أحرارا ويصولون على مستعبديهم، فلا يفعلون ذلك محافظة على دينهم، أليست هذه صلة، تشفع وتستغفر ذنوبا كثيرة؟ ولو كان الذي تطالبني به لما لبثنا في هذه الحالة، مع إن لله فينا سرا وحكمة كالحكمة في البزرة التي تقع في الأرض فتتغير وتستحيل في الظاهر إلى الأرض والماء والزبل وليس يبقى لها أثر محسوس على ما يظن الناظر إليها، وإذا بها هي التي تحول الأرض والماء إلى طبعها وتنقلها درجة درجة حتى تلطف العناصر وتردها إلى مثل نفسها، وتدفع قشورا وأوراقا وغير ذلك، حتى إذا صفا اللباب وصلح ليحله ذلك الأمر الإلهي وصورة البزر الأول أثمرت تلك الشجرة مثل الثمر الذي منه كان بزرها. فهكذا دين موسى كل من جاء بعده يستحيل إليه في الحقيقة، وإن كان في الظاهر دافعا له، فهذه الملل إنما هي توطئة ومقدمة للמשיח المنتظر الذي هو الثمرة، ويصير كلهم ثمرة إذا أقروا له، وتصير الشجرة واحدة، وحينئذ يفضلون الأصل الذي كانوا يرذلونه، وكما قلنا في הנה ישכיל עבדי. ولا تلتفت إلى بعد هؤلاء عن الأوثان، واجتهادهم في التوحيد فتفضلهم، وترى ישראל في عين النقيصة لاتخاذهم المعبودات في دولتهم فتنقصهم، والتفت إلى ما ينطوي عليه الكبير منهم من الزندقة، بل قد يصرحون بها ويقولون فيها الأشعار المشهورة المحفوظة من أن لا مالك لأعمال الناس ولا مجازي ولا معاقب عليها، ما لم يذكر قط عن ישראל. وإنما كان القوم طالبي منافع تلك الطلاسم والروحانيات زيادة على دينهم، وهم محافظون على شرائعهم، لشهرة المنفعة بتلك العبادات حينئذ، وإلا فلم لم يستحيلوا إلى أديان الأمم الذين جلوهم وسبوهم، حتى מנשה وצדקיה وأفسق من كان في ישראל لم يرض ترك دين ישראל، نعم كانت لهم أهواء في زيادة منافع من ظفر وبركة مال بتلك الخواص التي كانت عندهم مغربة مما نهي الله عنها. ولا كان لها اليوم تلك الشهرة لرأيتنا اليوم نحن وهم منخدعين لها، كما ننخدع للبقايا الباردة من نجوم ورقي وعزائم وتغاريب بعيدة من الطبيعة، مع إبعاد الشريعة لها.
<24> قال الخزري: أريد الآن تلوح لي بشيء من بقايا العلوم الطبيعية التي قلت إنها كانت عندهم.
<25> قال الحبر: منها ספר יצירה لאברהם אבינו ע"ה، فيه غموض، وشرحه طويل، دل على الوحدانيا والربوبية بأشياء مختلفة متكثرة من جهة، لكنها متحدة متفقة من جهة أخرى. واتفاقها من جهة الواحد الذي ينظمها، فمنها ספר וספור וספר. أراد بספר التقدير والتقسيط في الأجسام المخلوقة، لأن التقدير حتى يكون الجسم منظوما متناسبا يصلح لما خلق أنا يكون بالعدد. وأما المساحة والكيل والوزن وتناسب الحركات ونظام الموسيقة، فكلها بالعدد. ספר كما ترى البناء لا يصدر عنه بين إلا وقد تقدم تصوره في نفسه. وأراد بספור النطق لكنه نطق إلهي، قول דברי אלהים חיים يقترن به حضور إلهية والشكل الذي نطق به كقول יהי אור، יהי רקיע. فما فرغ القول حتى حضر العمل وهو ספר يعني به الخط. وخط الله هي مخلوقاته. وكلام الله هو حطه. وتقدير الله هو كلامه. فصار ال وال وال في حق الله شيئا واحدا وفي حق الإنسان ثلاثة، فإنه يقدر بذهنه وينطق بفمه ويكتب بيده ذلك الكلام ليدل بهذه الثلاثة على شيء واحد من مخلوقات الخالق، ويصير تقدير الإنسان وخطه ولفظه علامات دالة على الشيء، لا نفس الشيء. وأما تقدير الله وكلامه فهو الشيء بعينه وهو خطه، كما لو تخيلت دباغا يفكر في صناعته والحرير يطاوعه فيتلون بالألوان الخاطرة بباله ويتركب التركيبات التي يريدها، فيكون ذلك الديباغ بأمره وبخطه. فلو كنا نقدر إذا لفظنا بإنسان أو خططنا جسم إنسان أن نحضر صورته لكنا قادرين على النطق الإلهي والخط الإلهي ولكنا خالقين، كما نقدر بعض القدرة في التصوير العقلي، لكن اللغات والخطوط تتفاضل، منها ما أسماها شديدة المطابقة لمسمياتها، ومنها بعيدة. واللغة الإلهية المخترعة التي لقنها الله آدم، وألقاها على لسانه وفي خاطره هي لا محالة أكمل اللغات وأشدها مطابقة لمسمياتها، وكما قال וכל אשר יקרא לו האדם נפש חיה הוא שמו، يعني أنه يستحق ذلك الاسم ويطابقه وينبئ عن طبيعته، فوجب تفضيل לשון הקדש، وإن الמלאכים أشد انفعالا لها من غيرها. ومن هذه النسبة يقال في الخط إن أشكال حروفه ليست جزافا واتفاقا، بل لغرض يطابق المقصود من حرف حرف، فلا يستبعد بهذا النظر تأثير الשמות وما جرى مجراها من طريق اللفظ والخط، وقبلهما التقدير أعني فكرة النفس الخالصة المتشبهة بالملائكة.
فيجتمع الשלשה ספרים ספר וספור וספר بشيء واحد، فيحدث ذلك الشيء المقدر كما قدره ذو النفس الخالصة وكما نطق به وكما خطه. وكذلك قال هذا الكتاب عن الله تعالى: ברא את עולמו בשלשה ספרים ספר וספור וספר وكلها في حقه تعالى واحد، وذلك الواحد مبدأ שלשים ושתים נתיבות פליאות חכמה، والتي هي עשר ספירות وעשרים ושתים אותיות، أشار إلى خروج الموجودات إلى الفعل أنها تتميز بالكمية والكيفية. والكمية عدد. وسر العدد إنما هو في العشرة كما قال עשר ספירות בלימה، עשר ולא תשע، עשר ולא אחת עשרה، ولها سر مكتوم . لم وقف الحساب على عشرة لا زائد ولا ناقص.
ولذلك أتبعه بقول הבן בחכמה וחכם בבינה בחון בהם וחקור מהם ודע וחשוב וצור והעמד דבר על ברורו והשב יוצר על מכונו ןמדתן עשר שאין להם סוף. ثم ذكر تميزها بالكيفية وقسم الעשרים ושתים אותיות ثلاثة أقسام: שלש אמות وשבע כפולות وשתים עשרה פשוטות، فقال שלש אמות אמ"ש סוד גדול מופלא ומכוסה שממנו יוצאים רוח מים אש שבהן נברא הכל. وجعل تناسب هذه الأحرف مع تناسب العالم الأكبر والأصغر أعني الإنسان وتناسب الزمان واحدا. وسماها עדים נאמנים עולם ונפש ושנה. أعلمنا أن النظام واحد عن ناظم واحد تعالى وتقدس وإن اختلفت الموجودات وتباينت، فاختلافها عن موادها التي هي مختلفة منها العالي ومنها الأسفل ومنها الكدر ومنها الصافي. وأما من قبل واهب الصور ومعطي الهيآت والنظام فالحكمة فيها كلها واحدة، والعناية متفقة منتسقة على نظام واحد في العالم الأكبر وفي الإنسان وفي نظام الأفلاك وهي التي قال عنها إنها עדים נאמנים علد وحدانيته עולם ונפש ושנה. وصير نظامها على التقريب على هذا المثال:
Неизвестная страница