<5> قال الخزري: ليس ههنا مجال للقياس بل القياس يبعد أكثر هذا الكلام. لكن إذا صح العيان والتجربة حتى يأخذ بمجامع القلب ولا يجد مندوحة في اعتقاد غير ما صح عنده تحيل على القياس بلطفه حتى يقرب ذلك المستبعد كما يفعل الطبيعيون في الخواص الغريبة التي تطرأ عليهم مما لو حدثوا بها قبل رؤيتها لأنكروها، فإذا رأوها تلطفوا وجعلوا لها أسبابا من النجوم والروحانيات، ولم يدفعوا العيان، وأنا لا أجدني طيب النفس لقبول هذه الأمور، لأني طرأت عليها ولم أنشأ فيها، والاستقصاء واجب علي.
ثم استدعى عالما من علماء الإسلام وسأله عن علمه وعمله. فقال إما نثبت الوحدانية والقدم لله، والحدث للعالم، والانتساب إلى آدم ونوح، وننفي التجسيم جملة وإن ظهر شيء في القول تأولناه وقلنا إنه مجاز وتقريب، مع إقرارنا بأن كتابنا كلام الله، وهو في ذاته معجزة، يجب علينا قبوله من أجل ذاته، إذ لم يمكن أحدا أن يأتي بمثله ولا بمثل آية من آياته، وأن نبينا خاتم النبيين، وناسخ لكل شريعة تقدمت، وداعي الأمم كلها إلى الإسلام، وجزاء الطائع إعادة روحه إلى جسده في جنة ونعيم لا يخلو من أكل وشرب ونكاح وكل ما يشتهي. وجزاء العاصي إعادته في نار لا يفنى عذابها أبدا.
<6> فقال له الخزري: إن من يرام هدايته بأمر الله ويحقق عنده أن الله يكلم البشر وهو يستبعد ذلك، ينبغي أن يقرر عنده أمور مشهورة لا مدفع فيها. وبالأحرى أن يصدق عنده أن الله قد كلم بشريا، وإن كان كتابكم معجزة والكتاب عربي فليس يميز معجزته وغرابته عجمي مثلي وإذا تلي علي لم أفرق بينه وبين غيره من كلام العربي.
<7> فقال له العالم: وقد ظهر على يديه معجزات لكن لم تجعل حجة في قبول شريعته.
<8> قال الخزري: نعم ولا تسكن النفوس إلى أن تقر أن الإله متصل بالبشر إلا بمعجزة يقلب فيها الأعيان فنعلم أن ذلك لا يقدر عليه إلا من اخترع الأشياء من لا شيء، وأن يخول ذلك الأمر بين يدي جماهير يرونه عيانا، ولا يأتيهم برؤياه وأسناد وبأن يدرس ذلك ويمتحن المحنة بعد المحنة حتى لا يقع في الظن أن هناك تخيلا أو سحرا، وبالأحرى أن تقبل النفوس هذا الأمر العظيم أعني أن خالق الدنيا والآخرة والملائكة والسماوات والأنوار يتصل بهذه الحمأة والقذرة أعني الإنسان ويكلمه ويقضي رغبته وتحكماته.
<9> فقال العالم: أليس كتابنا مملي من أخبار موسى ע"ה وبني إسرائيل لا مدفع فيما فعل بفرعون وشقه البحر وتسليم من رضا عنه وتغريق من سخط عليه، ثم المن والسلوى طول أربعين عاما، وتكليمه موسى في الطور، وإيقافه الشمس ليشوع، ونصرته على الجبارين، وما كان قبل ذلك من الطوفان وهلاك قوم لوط، أليس هذا مشهورا ولا ظن فيه للتحيل والتخيل.
<10> قال الخزري: بلى كأني أراني مضطرا إلى مسائلة اليهود لأنهم بقية بني إسرائيل لأني أراهم هم الحجة في أن لله شريعة في الأرض.
ثم استدعى حبرا من أحبار اليهود وسأله عن اعتقاده.
<11> فقال له: أنا مؤمن بإله إبراهيم وإسحاق وإسرائيل المخرج بني إسرائيل من مصر بالآيات والمعجزات ومكتفلهم في التيه ومعطيهم أرض الشام بعد تجويزهم اليم والأردن بمعجزات، ومرسل موسى بشريعته، ثم ألاف أنبياء بعده مؤكدين لشريعته والوعد لمن تحفظ بها، والوعيد لمن خالفها، وإيماننا لما اندرج في التوراة والخبر طويل.
<12> قال الخزري: قد كنت عازما إلا اسأل يهوديا لعلمي بتلاف آثارهم ونقصان آرائهم إذ المنحسة لم تترك لهم محمدة، فهلا قلت يا يهودي أنك تؤمن بخالق العالم وناظمه ومدبره وبمن خلقك ورزقك وما أشبه هذه الأوصاف التي هي حجة كل ذي دين، ومن أجلها يتبع الحق العدل للتشبه بالخالق في حكمته وعدله.
Неизвестная страница