<93> قال الحبر، ذنب شنع عليهم لجلالتهم، والجليل من عدت خطاياه.
<94> قال الخزري، وهذا من تعصبك وتعسفك لقومك، وأي ذنب أعظم من هذا، وأي فضل يبقى بعد هذا.
<95> قال الحبر، أمهلني قليلا حتى أقرر عندك شرف القوم، وكفاني شاهدا اتخاذ الله إياهم حزبا وأمة من بين ملل العالم، وحلول الأمر الإلهي في جمهورهم حتى وصل جميعهم إلى حد الخطاب، وتخطى الأمر إلى نسائهم فكان منهن نبيات، بعد ان كان الأمر لا يحل إلا في أفراد من الناس من لدن آدم، فإن آدم هو الكامل دون استثناء، إذ لا عذر في كمال صناعة من صناع حكيم قادر، من مادة اختارها للصورة التي شاها، ولم يعق عائق من مزج مني الأب ودم الأم، ولا من الأغذية والتدبير في سنى التربية والطفولة وأثر الاهوية والمياه والأرضين، إذ إنما خلقه كالمتناهي في الشباب الكامل في خلقه وأخلاقه، فهو الذي قبل النفس على كمالها والعقل على غاية ما يمكن من الفطرة الإنسانية والقوة الإلهية بعد العقل، أعني الرتبة التي بها يتصل بالله وبالروحانيين، ويعرف الحقائق دون تعليم بل بأهون فكره. وقد تسمى عندنا بابن الله، هو وكل من يشبهه من ذريته أبناء الله، وأولد أولادا كثيرة ولا يصلح منهم ليكون خليفة آدم غير הֶבֶל لأنه كان يشبهه، ولما قتله קין أخوه غيره على هذه الرتبة عوض بשֵת الشبيه بآدم، فكان صفوته ولبابه، وغيره كالقشور والحشف. وصفوة שת אנוש. وكذلك اتصل الأمر إلى نوح بأفراد كانوا لبابا يشبهون آدم ويتسمون بأبناء الله، لهم الكمال في الخلق والأخلاق وطول الاعمار وعلوم وقدرة، وباعمارهم هو التاريخ من آدم إلى نوح ، وكذلك من نوح إلى إبراهيم.
وربما كان فيهم من لم يتصل به الأمر الإلهي مثل תֶּרַח، لكن كان إبراهيم ابنه תַּלְמִיד لجده עֵבֶר. نعم وأدرك نوح بعينه. وصار الأمر الإلهي متصلا من الأجداد إلى الحفدة. فإبراهيم صفوة עֵבֶר وتلميذه وبذلك تسمى عبرانيا. وעֵבֶר صفوة שֵם. وשֵם صفوة نوح، لأنه وارث الأقاليم المعتدلة التي وسطها ونكتتها الشام ارض النبوة. وخرج יֶפֶת إلى الشمال. وחָם إلى الجنوب. وصفوة إبراهيم من جميع بنيه إسحق. وقد ابعد جميع أولاده من هذه الأرض الخاصة لتختص لإسحق. وصفوة إسحاق يعقوب. واندفع اخوه العيس، إذ استحق يعقوب تلك الأرض وأولاد يعقوب كلهم صفوة، صلح جميعهم للأمر الإلهي، فحصل لهم ذلك الموضع الخاص بالأمر الإلهي، وهذا ابتداء حلول الأمر الإلهي في جماعة، بعد أن كان لا يوجد الا في أفراد، فتولى الله حفظهم وانماهم وتربيتهم بمصر كما تربى الشجرة الطيبة الأصل حتى أثمرت ثمرا كاملا يشبه الثمر الأول الذي منه جرست أعني إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وإخوته.
فجاءت الثمرة بموسى ע"ה وهرون ومريم ע"ה، وبمثل בְּצַלְאֵל وאָהֳלִיאָב ورؤساء الأسباط، وبمثل السبعين شيخا الذين صلحوا للنبوة مستمرا، وبمثل يوشع وכלב وחור وغيرهم كثير. وحينئذ استحقوا ظهور النور عليهم وتلك العناية الربانية، وإن كان فيهم عصاه ممقوتون، لكنهم لا محالة صفوة بمعنى أنهم في غريزتهم وطبائعهم من الصفوة، ويولدون من يكون صفوة فيحافظ على الأب العاصي لما خالطه من الصفوة التي تظهر في ولده أو في حفيده، كيف ما صفت النطفة كما قلنا في תֶּרַח وغيره ممن لم يتصل به الأمر الإلهي لكن في غريزته ان ينتج صفوة ما لم يكن مثل ذلك في غريزة كل من تناسل من חָם وיֶפֶת. ونرى مثل هذا في الأمور الطبيعية، فكم انسان لا يشبه أباه بتة لكنه يشبه جده. فلا شك أن تلك الطبيعة وذلك الشبه كان الوالد كامنا، وأن لم يظهر للحس، كما كمنت طبيعة עֵבֶר في أولاده حتى ظهرت في إبراهيم.
<96> قال الخزري، هذا هو حق الشرف المنساق من لدن آدم، وقد كان آدم أشرف المخلوقات في الأرض، فوجب لكم الشرف على كل موجود في الأرض. لكن أين هذا الشرف من هذا الخطأ.
<97> قال الحبر، ان الأمم كلها حينئذ كانت تتخذ معبودات صورا ولو كانوا الفلاسفة يبرهون على الوحدانية والربوبية فلا بد لهم من صورة يومونها، ويقولون لعامتهم وجمهورهم ان هذه الصورة يتصل بها أمر إلهي، وأنها خاصة بأمر عجيب غريب، فمنهم من ينسب ذلك إلى الله كما نفعل نحن اليوم في مواضع معظمة عندنا، حتى نتبارك بترابها وحجارتها. ومنهم من ينسب ذلك إلى روحانية كوكب من الكواكب، أو برج، أو نسبة طلاسم وغير ذلك. وكان لا يتألف جمهور على شرع واحد الا بصورة محسوسة اموها. وكان بنو إسرائيل قد وعدوا بأن ينزل اليهم من عند الله أمر يرونه ويومونه، كما اموها عمود الغمام والنار حين خروجهم من مصر، ويشرون إليه ويعظمونه ويستقبلونه ويسجدون نحوه لله تعالى. وكذلك كانوا يومون عمود الغمام الذي ينزل على موسى ע"ה طول مخاطبة الله له فيقفون بنو إسرائيل ويسجدون نحوه لله تعالى. فلما سمع القوم خطاب العشر كلمات وصعد موسى ע"ה إلى الجبل ينتظر اللوحين لينزلها إليهم مكتوبة، ويصنع لها التابوت، فيكون لهم قبلة مرئية فيها العهد الإلهي والاختراغ الرباني، أعني اللوحين، سوى ما اتصل بالتابوت من الغمام والأنوار، وما ظهر بتوسطه من المعجزات، وبقي القوم منتظرين نزول موسى ע"ה وهم على حالهم، لم يغيروا زيهم وحالهم وحللهم التي عيدوا بها يوم الطور، بل بقوا بهيتهم ينتظرون موسى ע"ה مع اللحظات، فأبطأ عنهم أربعين يوما وهم لم يتزود، ولا فارقهم الا على نية الانصراف من يومه، غلب سوء ظن على بعض ذلك الجمهور العظيم وبدأت العامة تفترق فرقا، وتكثر الآراء والظنون، حتى لجأ قوم منهم إلى ان طلبوا معبودا يومونه كسائر الأمم، من غير ان يجحدوا ربوبية من أخرجهم من أرض مصر، بل أن يكون ذلك موضوعا لهم يشيرون إليه إذا وصفوا عجائب ربهم كما فعل المؤمنون بتابوت موسى ע"ה قائلين أن الرب هناك، وكما نفعل نحن بالسماء وبكل أمر نتحقق أن حركته إنما في بمشية الله دون اتفاق ولا إرادة انسان ولا طبيعة، فخطأهم كان في التصوير الذي منعوا عنه، ثم في أن نسبوا أمرا إلهيا لشيء مصنوع بأيديهم واختيارهم دون أمر الله، وعذرهم في ذلك ما تقدم من التشتت الواقع بينهم، ولم ينته الذين عبدوه نحو ثلاثة آلاف من جملة ست مائة ألف. وأما عذر الخاصة المساعدين في عمله، فكان لغرض عسى ان يظهر العاصي من المؤمن، ليقتل العاصي العابد للعجل، وكان في ذلك عليهم نقد إذ أخرجوا العصيان من القوة والضمير إلى حد الفعل. فلم يكن ذلك الذنب خروجا عن جملة طاعة من أخرجهم من مصر، لكن خالفوا لبعض أوامره، فإنه تعالى نهي عن الصور، فاتخذوا صورة، وكان لهم ان يصبروا ولا يضعوا لأنفسهم قدوة وقبلة ومذبحا وقرابين. وكان ذلك من تعقل من كان بينهم من المنجمين والمطلسمين، زعموا أنهم ستقرب أعمالهم القياسية من أعمال الحقيقة، وكان سبيلهم في ذلك سبيل الجاهل الذي ذكرناه أنه تولى خزانة الطب فقتل الناس الذين كانوا ينتفعون بها قبل ذلك، مع أن القوم لم يكم قصدهم الخروج عن الطاعة، بل كانوا مجتهدين بزعمهم في الطاعة ولذلك قصدوا هرون، وقصد هرون كشف سريرتهم، فساعد في عمله، وأدركته الملامة لإخراجه عصيانهم من القوة إلى الفعل. فهذه القصة تهول وتشنع عندنا لارتفاع المعبودات المصورة من أكثر الملل في زماننا هذا، وتهون في ذلك الوقت لكون جميع الملل متخذين صورا. فلو كان ذنبهم أنهم اتخذوا بيتا ما باختيارهم للعبادة، وجعلوه قبلتهم وقربوا فيه وعظموه، لما عظم الأمر لما نحن عليه اليوم من اتخاذنا البيوت باختيارنا وتعظيمنا لها وتبركنا بها وربما قلنا ان الله يحلها وملائكته تحف بها. ولولا الضرورة لتأليف جماعتنا لكان هذا منكرا، كما كان في أيام الدولة ينكر على قوم مجتهدين ان يتخذوا بيوتا للعبادة تسمى בָּמוֹת، وكان فضلا الملوك يهدمونها كي لا يعظم غير البيت الذي يختاره الله وإلهية التي يأمر بها ولا ينكر فيها الصور التي يأمر هو بها من الكروبين، ومع هذا فقد حل العقاب بالذين عبدوا العجل من يومهم وقتلوا، وكان مبلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف من جملة ست مائة ألف. ولم يزل المن نازلا لقوتهم، والغمام للتظليل عليهم، وعمود النار لهدايتهم، والنبوة فاشية متزائدة فيهم. ولا صرف عنهم شيء فضلوا به غير اللوحين اللذين كسرهما موسى ע"ה، ثم شفع في صرفهما فصرفا عليهم وغفر لهم ذلك الذنب.
<98> قال الخزري، لقد أيدت رأيي فيما اعتقدته وما رأيت في منامي أنه لا يصل الإنسان إلى الأمر الإلهي الا بأمر إلهي، أعني بأعمال يأمر الله بها والا فأكثر الناس مجتهد حتى المنجم والمطلسم وعابد النار وعابد الشمس والثنوية وغيرهم.
<99> قال الحبر، نعم وكذلك هي شرائعنا منصوصة في التوراة من مخاطبة الله لموسى، ومما كتب موسى ودفع إلى ذلك الجمهور العظيم في جمعهم في التيه، لم يحتج فيه إلى رؤية اسناد افراد سورة سورة وآية آية، ان صفات القرابين، وكيف تقرب، وفي أي موضع، ولأي جهة، وكيف تذبح وكيف يصنع بدمها، وأعضائها من صناعات مختلفة، كلها ببيان من عند الله، كي لا ينقص منها أقل شيء فيفسد الكل، كالإخوان الطبيعية التي تأتلف من نسب دقيقة تدق عن الأوهام، التي لو اختلت نسبها أقل اختلال لفسد ذلك المتكون. فلم يكن ذلك النبات أو ذلك الحيوان أو ذلك العضو مثلا الا فاسدا أو عادما. وكذلك ذكر كيف يعضي الحيوان المقرب، وما يفعل بعضو عضو، وما للأكل، وما للحرق، ومن يأكل ومن يحرق ومن يقرب من طوائف مأمورة بهم لم يتعدهم، وكيف تكون صفات المقربين كي لا تكون فيهم نقيصة، حتى هياتهم وملابسهم، لا سيما الهاروني الذي أباح له الدخول إلى مكان الأمر الإلهي حيث السكينة مع التابوت والتوراة، وما يقترن بذلك من التنطيف والتطهير، ورتب التطهيرات والتقديسات والصلوات أمر يطول وصفة. وإنما يحال فيه على قراة التوراة، وما نقل الاحبار، والكل من تكليم الله لموسى. وكذلك هية القبة كلها عرضت على موسى في الطور القبة والخباء والمائدة والمنارة والتابوت والدار المحيطة بها، واعتمدتها وستورها وجميع صناعتها عرضت عليه روحانية وشكلها جسمانية على ما رسم له. وكذلك البيت المعظم الذي بناه سليمان مما عرض على داود صورته روحانية. والبيت الموبد المقدس الذي وعدنا به مما عرض على نبي يسمى יחזקאל، الصورة وإلهية. وليس في عبادة الله تفرض وتعقل وتحكم، ولو كان هذا لكانت الفلاسفة قد وصلت بحكمهم وعقولهم إلى اضعاف ما وصل اليه بنو إسرائيل.
<100> قال الخزري، بمثل هذا تطيب النفس للتشرع به دون شك ولا ارتياب مجيء نبي إلى عبيد مستعبدين مماليك يعدهم بالخروج من العبودية من وقتهم دون توان ومطل على تلك الصفة، وادخالهم ارض الشام على سبع أمم كل واحدة منها أقوى منهم، ويرسم لكل سبط نصيبه من الأرض قبل وصولهم اليها. وتم هذا كله في أيسر مدة بغرائب من المعجزات، هذا يحقق عظامة المرسل وجلالة الرسول، وفضل المرسول اليهم خصوصا. ولو قال أني بعثت لأهدي جميع المعمورة، ثم لم يتصل خبره في نصفها لكان قدحا في رسالته إذ لم يتم قصد الله في ذلك، وكان يعذر تمامه كون كتابه عبرانيا ويكلف السند والهند والخزر فهمه والعمل به الا بعد ميين سنين ان يتفق لهم الاستحالة إليهم بجلبه، أو بمغاورة، لا بمشاهدة النبي بعينه، أو نبي آخر يشهد له ويؤكد شريعته.
Неизвестная страница