مقدّمة
كانت المصادفة وراء الكشف عن هذا الأثر المهم الذي وصفه بار تولد بقوله:" تكمن الأهمية الكبرى لهذا الأثر في احتوائه على مادة وفيرة عن بلاد الترك وعن مناطق آسيا الوسطى التى لم تخضع لسلطان المسلمين، ومادته في هذا الصدد تفوق من حيث الوفرة والتفصيل مادة جميع المصنفات الجغرافية العربية الأخرى الموجودة بين أيدينا" «١» .
والذي قال عنه كراتشكوفسكي:" بالرغم من أنه مكتوب بالفارسية، إلا أنه يجدر بنا الوقوف عنده، لا لأنه وجد زعم يقول بأنه ترجم عن العربية في الأصل، بل أيضا لارتباطه الوثيق بالتراث العربي بحيث لا يكتمل الوصف العام للأدب الجغرافي دونه" «٢» .
فقد كلّف المستشرق الروسي النقيب أ. غ. تومانسكي (الميجر جنرال فيما بعد) صديقا له ساكنا بسمرقند بالبحث عن مخطوطة كتاب (ألوس أربعه ألوغ بيك) «٣» . وبعد فترة كتب إليه هذا الصديق في ٢٥/١٠/١٨٩٢ أنه سعى خلال فترة إقامته ببخارى للعثور على كتاب ألوغ بيك ولم يوفق، إلا أنه عثر بدلا من ذلك على مخطوطة تشتمل على أربع رسائل هي: ١. رسالة صغيرة في الجغرافيا بعنوان جهان نامه من تأليف محمد بن نجيب بكران؛ ٢.
رسالة مختصرة في الموسيقى من تأليف" الأستاذ عجب الزمان بل أستاذ خراسان محمد بن محمود بن محمد النيسابوري"؛ ٣. حدود العالم من المشرق إلى المغرب؛ ٤. كتاب جامع العلوم لفخر الدين الرازي المتوفى سنة ٦٠٦ هـ» .
ولما كانت رسالة جهان نامه في الجغرافيا فلا بأس أن نعطي القارئ العربي فكرة عن مصادرها ذلك أنها بالفارسية. ذكر المؤلف في مقدمتها مصادره على النحو التالي:" مما وقع في يدي من مجاميع الزيجات القديمة والحديثة وكتب علم النجوم وقد قابلتها مع بعضها..
1 / 9
وكذلك كتاب أشكال العالم لمحمد بن بحر الرهني، «١» وكتاب المسالك والممالك الذي ألفه عبد الله بن محمد بن خردادبه «٢» ورحلة ناصر خسرو وغير ذلك وقارنتها جميعا ببعضها..
ثم وجدت بعد ذلك بين مسودات الإمام شرف الدين المازي الطوسي ﵀ الذي عاد من بلاد الروم، كراسة بخطه مثبت فيها بدقة أطوال المدن وعروضها وكذلك أطوال وعروض السواحل والبحار فرسخا ومواضع الجبال والبحار والجزر" «٣» وآثار المتقدمين للبيروني (٣٦٢- ٤٤٠ هـ) وكامل الصناعة الطبية لعلي بن العباس المجوسي (٤٣٨- ٤٧٢ هـ) اللذين ذكرهما فى ص ٢٤ و٧٥. وقد ورد في ختامها:" تمت الرسالة المسماة بجهان نامه على يدي أضعف عباد الله مسعود بن محمد بن مسعود الكرماني، في الثامن والعشرون (كذا) من شهر الله المبارك رمضان سنة ثلاث وستين وستمائة. قوبل مع النسخة المنتسخة منها وليست الصحيح بل السقيم" (؟!) . ومؤلف الكتاب كان حيا سنة ٦٠٥ هـ وألف كتابه لآخر شاهات خوارزم السلطان محمد (٥٩٦- ٦١٧ هـ) .
أما كتابا جامع العلوم وحدود العالم فقد كتبهما ناسخ آخر وكما يلي: ورد في ختام جامع العلوم «٤»:" وقع الفراغ من تحريره يوم الجمعة للسادس والعشرين من جمادى الأولى سنة ثماني وخمسين وستمائة على يدي أضعف عباد الله وأحقرهم أبو (كذا) المؤيد عبد القيوم بن الحسين بن علي". وورد في ختام حدود العالم الذي تمزق الجانب الأيمن من ورقته الأخيرة فبقي من السطر ما قبل الأخير:" الفقير عبد القيوم بن الحسين بن علي الفارسي"، ومن السطر الأخير:" سنة ست وخمسين وستمائة، والحمد لله رب العالمين".
ويقع كتاب حدود العالم في ٣٩ ورقة، ألّفه مؤلفه المجهول سنة ٣٧٢ هـ وأهداه إلى" الأمير السيد الملك العادل أبي الحارث محمد بن أحمد مولى أمير المؤمنين أطال الله بقاءه"، كما ورد.
1 / 10
في صدر الكتاب. وما دمنا لا نعرف شيئا عن مؤلف الكتاب فلنتحدث عن هذا الأمير الذي عاش المؤلف في كنفه.
هو أبو الحارث محمد بن أحمد بن فريغون ثالث حكام أسرة آل فريغون التي حكمت بالجوزجان وبلخ. ويذكر المؤرخ الكريزي أن الأمير الساماني نوح بن منصور بن نوح (حكم من ٣٦٥- ٣٨٧ هـ) قد أقام مع أبي الحارث علاقات صداقة ليشد به أزره «١»، وفي تاريخ العتبي المعروف باليميني نماذج من استعانة الأمير نوح الساماني به في المعارك التي خاضها ضد مناوئيه «٢» . كما ذكر العتبي في الفصل الذي خصصه لأسرة آل فريغون «٣» أنهم حكموا الجوزجان أبا عن جد وأن بلاطهم كان موئل الأدباء والشعراء من شتى البقاع، ثم ذكر واحدا من هؤلاء وهو بديع الزمان الهمداني وأورد له قطعة نثرية في مدح أبي الحارث ختمها بأبيات منها:
لآل فريغون في المكرمات ... يد أولا واعتذار أخيرا
إذا ما حللت بمغناهم ... رأيت نعيما وملكا كبيرا
ومنهم أبو الفتح البستي الشاعر الذائع الصيت وذكر له أبياتا منها:
بنو فريغون قوم في وجوههم ... سيما الندى وسناء السؤدد العالي
كأنما خلقوا من سؤدد وعلى ... وسائر الناس من طين وصلصال
من تلق منهم تقل هذا أجلّهم ... قدرا وأسخاهم بالنفس والمال
مصادر الكتاب
لم يرد في الكتاب ما يشير إلى أن مؤلفه كان رحالة سافر إلى أحد البلدان التي ذكرها في كتابه. وقد اعتمد في تأليفه كتابه هذا على مؤلفات من سبقوه في هذا المضمار حيث ذكر في ختام كتابه أنه نظر في جميع الكتب وأتى بجميع ما فيها بعد إسقاطه الحشو منها. لكنه لم يذكر أسماء تلك الكتب للأسف سوى الآثار العلوية لأرسطو. كما ورد في ختام الكتاب
1 / 11
الذي أصيب بخروم ضاعت معها بعض الكلمات ما يستفاد منه بكل تأكيد أنه أفاد من بطلميوس. ولكن ماذا عن بقية المصادر؟
يجزم بارتولد في مقدمته لحدود العالم أن مؤلف الكتاب كانت بيده نسخة من كتاب البلخي أو الإصطخري «١» . إلا أن مسألة الفصل بين مؤلّف البلخي ومؤلف الإصطخري أمر معقد، ففي نص فريد لياقوت نقرأ ما يلي:" قرأت في الكتاب المتنازع بين أبي زيد البلخى وأبي إسحاق الفارسي الإصطخري في صفة البلدان فقال.." «٢» . وقد ألف أبو زيد أحمد بن سهل البلخي (حوالي ٢٣٥- ٣٢٢ هـ) " كتابه نحو ٣٠٨ أو ٣٠٩ هـ أو بعد ذلك بقليل، وتختلف أسماؤه باختلاف المصادر، فهو مرة صور الأقاليم وحينا أشكال البلاد وتارة تقويم البلدان.. أما أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي فقد أنهى أول نسخة من كتابه مسالك الممالك حوالي ٣١٨- ٣٢١ هـ وأبو زيد البلخي على قيد الحياة، غير أن كتابه قد انتشر في الشرق بوجه خاص على هيئة طوامير ترتفع إلى المسودة التي عملت حوالي ٣٤٠ هـ «٣» ".
وهناك رأي لمحقق المكتبة الجغرافية دي خويه يرى فيه" أن الإصطخري لم يكن في الحقيقة إلا ملخصا لكتاب وضعه أبو زيد البلخي" «٤»، بينما يعتقد بروكلمان أن كتاب الإصطخري نسخة موسعة من كتاب البلخي «٥» . ويزداد الأمر تعقيدا حينما نعلم أن الإصطخري قد التقى ابن حوقل الذي أطلعه على كتابه وما فيه من خرائط، فانتقد ابن حوقل بعض ما في الكتاب وخاصة الخرائط. لنقرأ ابن حوقل يحدثنا عن ذلك:
" ولقيت أبا إسحاق الفارسي وقد صوّر هذه الصورة لأرض السند فخلطها، وصور فارس فجوّدها. وكنت قد صورت آذربيجان التي في هذه الصفحة فاستحسنها، والجزيرة فاستجادها، وأخرج التي لمصر فاسدة وللمغرب أكثرها خطأ. وقال: قد نظرت في مولدك وأثرك، وأنا أسألك إصلاح كتابي هذا حيث ضللت. فأصلحت منه غير شكل وعزوته
1 / 12
إليه" «١» . وهكذا ظهر إلى الوجود كتاب صورة الأرض لأبي القاسم بن حوقل النصيبي بعد لقائه الإصطخري سنة ٣٤٠ هـ. وقد رفع ابن حوقل المسودة الأولى من مصنفه إلى سيف الدولة الحمداني (توفي سنة ٣٥٦ هـ)، وترجع المسودة الثانية إلى حوالي سنة ٣٦٧ هـ «٢» . كان عمل الإصطخري إذن الأساس الذي بنى عليه ابن حوقل كتابه، حيث كان ينسخ كتاب مسالك الممالك ويتدخل بين الحين والآخر مضيفا كلمة أو جملة أو صفحة وربما أكثر من ذلك. وعلى هذا فقد تداخلت ثلاثة كتب في بعضها: أولها للبلخي وهو مفقود، والثاني للإصطخري الخارج من جبة البلخي، والثالث لابن حوقل المستعير عباءة الإصطخري بطلب شخصي منه، والكتابان الثاني والثالث كما هو معلوم موجودان متداولان.
لقد قدم العلامة بار تولد في مقدمته القيمة لكتاب حدود العالم، نماذج من التقاء نصوص هذا الكتاب مع نصوص كتاب الإصطخري «٣» . ومع ذلك يظل موضوع الجزم فيما إذا كان مؤلف حدود العالم قد نقل بشكل مباشر عن البلخي أم الإصطخري أمرا شائكا يحتاج إلى مزيد من الدراسة. لقد ركزنا في الهوامش على مواضع الالتقاء بين حدود العالم وكتاب الإصطخري مسالك الممالك لأهمية هذا الأمر.
أما المصدر الآخر الذي يرجح أن يكون مؤلفنا المجهول قد أفاد منه فهو المسالك والممالك لأبي عبد الله محمد بن أحمد الجيهاني الأديب والعالم والسياسي الذي أصبح وزيرا للأمير نصر بن أحمد الساماني (حكم من ٣٠١- ٣٣١ هـ) منذ السنة الأولى لحكمه. يقول مينورسكي في مقدمة طبائع الحيوان:
" وحدود العالم الذي بدأ مؤلفه المجهول بتصنيفه سنة ٣٧٢ هـ بمدينة الجوزجان (شمالي أفغانستان)، أفاد فيه مؤلفه فيما يتعلق بالأصقاع الإسلامية من روايات أبي زيد البلخي التي أدخلت عليها تحسينات بواسطة الإصطخري. إلا أن الاهتمام الخاص للمؤلف فيما يتعلق بالفصول المخصصة للصين والهند وبلاد الترك والذي تتفق معلوماته تماما مع ما هو موجود
1 / 13
لدى الكرديزي والمروزي، لابد أن يكون معتمدا على الجيهانى" «١» . ولما كان الكريزي قد اعتمد في كتابته الفصول الأخيرة من كتابه على كتاب الجيهاني المسالك والممالك «٢» ويبدو أنه اعتمد كتابا آخر له في التاريخ حيث قال في مقدمة الفصل المخصص لعلوم الهنود:" هكذا يقول أبو عبد الله الجيهاني في كتاب التواريخ الذي ألفه.." «٣» وكان هناك تشابه بين نصوص حدود العالم وزين الأخبار للكرديزي، احتمل أن يكون هناك مصدر مشترك أفاد منه المؤلفان، يقول بار تولد بهذا الشأن:" إن التشابه بين حدود العالم والكرديزي ومصدر هما المشترك يبدو أكثر وضوحا في فصلي الصين والتغزغز.. وبطبيعة الحال لا يوجد تطابق تام بين حدود العالم والكرديزي" «٤» . ويندفع كراتشكوفسكي خطوات إلى الأمام ليقول:" ليس ثمة شك في أن المؤرخ الفارسي الكرديزي قد اعتمد في القسم الجغرافي من كتابه على حدود العالم" «٥» .
مع كل هذا تظل مسألة نقل معلومة ما دون ذكر مصدرها بالاسم بشكل صريح مفتوحة أمام شتى الاحتمالات ومحفوفة بمخاطر جمة. ونضرب مثلا لذلك ما ذكره العلّامة بار تولد بشأن النص الوارد في حدود العالم القائل:" إن من دخل التّبّت لم يزل ضاحكا مسرورا من غير سبب حتى يخرج منها"، حيث قال:" واضح أن هذا النص قد استعير من
1 / 14
ابن خرداذبه" «١» . لكننا نعلم اعتمادا على دي خويه" أن المسودة الأولى لكتاب ابن خرداذبه ترتفع إلى سنة ٢٣٢ هـ، أما الثانية فلا تتجاوز ٢٧٢ هـ ... وبعض العلماء لا يزال يعتقد أنه ليس هناك سوى مسودة واحدة تعود إلى التاريخ الأخير" «٢»، والمعلومة نفسها هي لدى الجاحظ (توفي سنة ٢٥٥ هـ) في كتابه الحيوان وقد بدأها بقوله:" ويزعم تجار التبت ممن قد دخل الصين والزابج وقلب تلك الجزائر ونقب في البلاد أن كل من أقام بقصبة التبت.." «٣» . وقد ألف الجاحظ الحيوان قبل ٢٣٣ هـ- كما ذكر محققه عبد السلام هارون في مقدمته- وهذه المعلومة موجودة أيضا في كتاب آخر للجاحظ «٤» هو البلدان أو الأمصار والبلدان. لقد نقل ابن خرداذبه نصا طويلا من الجاحظ لكنه لم يذكر اسم الجاحظ إلا في وسط النص، فأوهم قارئه بأنه لم ينقل إلا ما هو وارد بعد اسم الجاحظ بينما الحقيقة ليست كذلك. فالنص لديه هو كما يلي:
" ومن عجائب طبائع البلدان
إن من دخل التبت لم يزل ضاحكا مسرورا من غير سبب يعرفه حتى يخرج منها؛ وإن من دخل من المسلمين بلادا فى آخر الصين تدعى الشيلا، بها الذهب الكثير استوطنها لطيبها ولم يخرج عنها البتة؛ ومن أقام بالموصل حولا وجد فى قوته فضلا بينا؛ ومن أقام بقصبة الأهواز حولا فتفقد عقله وجده ناقصا، ولا يوجد بها أحد له وجنة حمراء، والحمى بها دائمة. وقد ذكر الجاحظ أن عدة من قوابل الأهواز خبرنه أنهن ربما قبلن المولود فيجدنه محموما. وقد جمعت قصبة الأهواز الأفاعى فى جبلها الطاعن فى منازلها المطل عليها، وفى بيوتها العقارب الجرارات القتالة، وإن الغالية والطيب يتغير بها بعد شهرين، وكذلك بأنطاكية؛ ومن دخل بلاد الزنج فلابد أن يجرب؛ ومن أطال الصوم بالمصيصة فى الصيف هاج به المرار الأسود وربما جن؛ ومن سكن البحرين عظم طحاله، قال الشاعر:
ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ... ويحسد بما فى بطنه وهو جائع
1 / 15
ولهم بسر يسمى النابجى إذا انتبذ وشرب غير عرقه البياض حتى يصفره. ومن مشى فى مدينة رسول الله (ص) وجد رائحة طيبة؛ وبشيراز من أرض فارس فغمة طيبة" «١» .
فبار تولد عندما يعتقد أن النص المتعلق بالتبت نقله مؤلف حدود العالم من ابن خرداذبه، إنما قال ذلك لمراجعته كتب الجغرافيا، لكنه لو استعان بكتب الأدب لوجد النص بكامله- وهو الذي نقلناه آنفا- وقد استعاره ابن خرداذبه من الجاحظ وعلى التحديد من كتابه الحيوان، حيث كان الجاحظ يذكر أحيانا اسم الشخص الذي حدثه بالمعلومة التي يوردها مما يدل على أنه لم يأخذ تلك المعلومات من مصدر مكتوب ليكون هناك احتمال في أن يكون الجاحظ وابن خرداذبه قد أخذا من مصدر مشترك بينهما. إن ما سنضعه بين الأقواس يمثل الجزء والصفحة من كتاب الحيوان للجاحظ حيث سنذكر المعلومات التي أوردها ابن خرداذبه متسلسلة: السرور بالتبت (٤/١٣٥، ٧/٢٣٠)؛ زيادة قوة البدن في الموصل (٤/١٣٥)؛ العقل وما يعتريه في الأهواز (٤/١٣٥)؛ حمى الأهواز (٤/١٤٣) وذكر سند هذا الخبر بقوله:" حدثني إبراهيم بن العباس بن محمد بن منصور عن مشيخة من أهل الأهواز" «٢»؛ الأفاعي والجرارات في جبلها الطاعن (٤/١٤٢)؛ تغير العطر بالأهواز وأنطاكية (٣/١٤٣، ٧/٢٣٠)؛ الإصابة بالجرب ببلاد الزنج (٤/١٣٩) وذكر سنده فقال:" وحدثني يوسف الزنجي ... "؛ هيجان المرار بالمصيصة (٤/١٤٠)؛ ورم الطحال في البحرين مع بيت الشعر الذي عزاه للعامة (٤/١٣٥، ١٣٩)؛ بسر النابجي فيها وتأثيره في الثياب البيض (٧/٢٣٠- ٢٣١)؛ طيب مدينة رسول الله (ص) وشيراز (٧/٢٣٠)؛ والنص موجود في عيون الأخبار لابن قتيبة الدينورى المتوفى سنة ٢٧٦ هـ الذي عزاه للجاحظ «٣» . وأغلب
1 / 16
طبائع البلدان هذه وردت لدى ابن الفقيه «١» الذي ألف كتابه البلدان حوالي ٢٩٠ هـ دون أن يعزوها لأحد، لكنها مستقاة بكل تأكيد من الحيوان الذي كانت لديه نسخة منه أفاد منها عند تأليفه كتابه (انظر: مقدمة البلدان لابن الفقيه ص ١٥)؛ والسرور الذي يعتري الداخل إلى التبت موجود أيضا لدى ابن رسته «٢» الذي ألف كتابه في" السنوات بين ٢٩٠ و٣٠٠ هـ" «٣»، وهو مختصر، إلا أن وجود المعلومة المتعلقة ببلاد السيلا في الأعلاق النفسية، تجعلنا نحتمل أنه نقل معلوماته عن ابن خرداذبه الذي انفرد بذكر معلومة السيلا مع بقية طبائع البلدان. ونذكر بأن الخياط المعتزلي (توفي بعد ٣٠٠ هـ بقليل) يشير إلى" كتب الجاحظ في أفعال الطبائع" «٤» . وقد ذكر المسعودي (توفي سنة ٣٤٦ هـ) السرور ببلاد التبت «٥» بشكل تختلف عباراته كثيرا عما هو لدى الجاحظ، رغم علمنا بأن المسعودي كانت لديه نسخة من الحيوان للجاحظ عند تأليفه مروج الذهب «٦»، وأنه كانت لديه نسخة من كتاب الجاحظ الآخر الأمطار وعجائب البلدان «٧» .
إنه مثال واحد أوردناه تعليقا على رأي العلّامة الجليل بار تولد الذي أسدى معروفا لا ينسى للدراسات الجغرافة الإسلامية عندما كتب مقدمته لكتاب حدود العالم وغيرها من الدراسات القيمة، رأيه الذي قال فيه إن المعلومة المتعلقة ببلاد التبت" استعارها مؤلف حدود العالم من ابن خرداذبه". ورأينا كيف أن الأصل فيها وفي غيرها من طبائع البلدان هو الجاحظ وليس ابن خرداذبه. وعلى هذا فالدراسة المطولة- وهي مما يستغرق وقتا طويلا-
1 / 17
هي وحدها الكفيلة بإماطة اللثام بشكل دقيق عن مصادر هذا الكتاب أو ذاك خاصة كتب الجغرافيا التي تشكل مصادرها الرئيسة غابة مظلمة متشابكة الأشجار نركز منها على المصادر المفقودة. وننقل أخيرا رأي كراتشكوفسكي في إلقاء الضوء على هذا الأمر الذي يقول فيه:" لا ريب في أن مخطوطة تومانسكي (يعني حدود العالم) المجهولة المؤلف كانت ذا أثر فعال في الأدب الجغرافي التالي لها، غير أن مسألة إلقاء ضوء على هذه الحقيقة مسألة عسيرة تتطلب فحص مصادر عامة ليست معروفة في مجموعها لنا مثل المسودة المكملة لابن خرداذبه أو مصنّف الجيهاني" «١» .
أما لغة الكتاب فرغم أنه بالفارسية إلا أنه" وجد زعم يقول بأنه ترجم عن العربية في الأصل" «٢»، ولقد وجدنا بحثا لأستاذ من إحدى جامعات بنارس الهندية يدل على اعتقاده بعروبة مؤلف الكتاب «٣»، عنوان البحث هو:" وصف الهند في كتاب حدود العالم لجغرافي عربي مجهول الاسم في القرن التاسع"، ومع ذلك فالمسألة لا يمكن البت فيها بسهولة.
وهناك مسألة اقتباسه من كتاب الآثار العلوية لأرسطو (الفصل ٢، الفقرة ٤) وهو المصدر الوحيد الذي ذكر اسمه في كتابه. فالنص لديه طويل نسبيا قياسا إلى ما هو موجود لدى أرسطو الذي نجد لديه ما يلي:" ينبوع جميع المياه وابتداؤها من البحر الذي يسمى طرطاروس العميق، البعيد الغور الغزير الماء. ومنه ابتداء جميع المياه الجارية وغير الجارية وهو مستقرها، وذلك أنه ينقسم لسائر البحار وإلى وسطه تندفع المياه، لأن جميع المياه ترجع إلى مواضعها الخاصة التي هي ابتداء فصولها وأوائل حركاتها" «٤» . ولا ندري إن كان المقصود بذلك هو هذا النص الذي أوردناه عن أرسطو ثم أضيفت إليه إضافات أم غيره.
لقد قلنا فيما مضى من هذه المقدمة إنه يصعب البتّ في مسألة نقل حدود العالم بشكل مباشر عن كتاب البلخي أم بشكل غير مباشر عن البلخي بواسطة النقل عن كتاب الإصطخري، ونعزز كلامنا بأن نقارن مادة" آمل" في كلا المصدرين:
1 / 18
الإصطخرى ص ٢١٢
آمل: أكبر من قزوين، مشتبكة العمارة لا يعلم بقدرها أعمر منها فى هذه النواحى.
حدود العالم
آمل: مدينة عظيمة. قصبة طبرستان، ذات خندق لكن ليس لها سور. وحولها ربض. وهى مستقر ملوك طبرستان، يجتمع بها التجار، ذات تجارات كثيرة. وفيها علماء كثر فى شتى العلوم. وبها مياه جارية كثيرة جدا. ترتفع منها الثياب الكتان ومناديل الخيش والفرش الطبرية والحصر الطبرية وخشب العثق الذي لا مثيل له فى جميع أرجاء العالم. كما يرتفع منها الأترج..
(تراجع بقية الكلام عن هذه المدينة وهو طويل فى هذا الكتاب (الفصل ٣٢، الفقرة ١٣) .
فلو كان مؤلف حدود العالم قد أفاد بشكل مباشر من الإصطخري، لا كتفى بذكر ما لدى الإصطخري وهو سطر وكلمات أخر. فمن أين جاء بهذه التفاصيل التي لا توجد عند الإصطخري ولا عند ابن حوقل الذي أضاف إلى كتاب الإصطخري؟
ولنأخذ نموذجا آخر:
الإصطخرى ص ٣٨، ٣٩
جزيرة بنى مزغنا: مدينة عامرة يحف بها طوائف من البربر، وهى من الخصب والسعة على غاية ما تكون المدن.
السوس الأقصى: اسم المدينة إلا أنها كورة عظيمة ذات مدن وقرى وسعة وخصب ويحتف بها طوائف بها طوائف من البربر.
حدود العالم
جزيرة بنى مزغنا: مدينة يحيط بها ماء البحر من ثلاثة جوانب، يحف بها طوائف من البربر.
السوس الأقصى: مدينة على ساحل بحر الأوقيانوس المغربى، وهى آخر مدينة من عمارة العالم فى المغرب. مدينة عظيمة وبها ذهب وفير، وأهلها بعيدون عن طباع الناس، ولا يصل إليها إلا القليل من الغرباء.
1 / 19
الواضح- من خلال التشابه الموجود فعلا بين نصوص الإصطخري وحدود العالم- أنه يوجد مصدر مشترك نقل منه الاثنان بشكل تنتقى فيه الأسطر أحيانا وتهمل أسطر أخرى. ترى أيوجد من هو أكثر قربا إلى الاثنين من أبي زيد البلخي وكتابه الذي يدعى صور الأقاليم حينا، وأشكال البلاد حينا آخر، وتقويم البلدان تارة؟
لقد راعينا في ترجمتنا هذه أن نستخدم الألفاظ والمصطلحات الجغرافية المتداولة في كتب الجغرافيا العربية كي نشيع في نصوصه نكهة التراث العريق. أما الهوامش فقد سعينا إلى أن لا نثقل الكتاب بها إلا ما كان غامضا مثل جزيرة الواقواق التي شغلت الباحثين عقودا وما زالت، أو جزيرة النساء.
أما الأرقام التي تشاهد في بداية عناوين الفصول وبدايات بعض الفقرات فقد نقلناها عن الترجمة الإنجليزية للكتاب التي نهض بعبئها العلامة فلاديمير مينورسكي.
آمل أن أكون قد وفقت في عملي هذا ولا أظنه خاليا من النقص الذي لا يخلو منه بنو الإنسان، فالكمال لله سبحانه.
كنت قد كتبت في مقدمتي لكتاب البلدان لابن الفقيه الذي صدر ببيروت سنة (١٩٩٦) بأنني أعيش الألف عام الأولى من العزلة بلا وطن ولا هوية خارج الجغرافيا والتاريخ، وأحس اليوم أنني أعيش الألف الثانية من العزلة مهيض الجناحين رهين الغربتين، أحاور الأموات الذين يطلون برءوسهم من أوراق مؤلفاتهم يمدون لي يد العون بعد أن يئست من الأحياء.
رجب ١٤١٩ نوفمبر ١٩٩٨ يوسف الهادى
1 / 20
١- فاتحة الكتاب
[١ ب] باليمن والسعادة. الحمد لله القادر الأزلي، خالق العالم وميسر الأمور، وهادي عباده إلى مختلف العلوم، والتحيات الكثيرة على محمد وجميع الأنبياء.
ببركة وظفر وحسن طالع الأمير السيد الملك العادل أبي الحارث محمد بن أحمد مولى أمير المؤمنين أطال الله بقاه وسعادة دنياه، بدأنا هذا الكتاب في صفة الأرض في سنة ثلاثمائة واثنتين وسبعين لهجرة النبي صلوات الله عليه. فبيّنا فيه صفه الأرض وهيئتها ومساحة عامرها وغامرها. وذكرنا جميع نواحيهما وملوكها مما هو معروف مع أحوال كل قوم مقيمين في تلك النواحي المختلفة، وسنن ملوكهم، كما هو عليه الحال في زماننا [٢ أ] مع ذكر كل ما يرتفع من تلك الناحية.
وبيّنا جميع مدن العالم التي وجدنا خبرها في كتب المتقدمين وذكرها الحكماء مع أحوال تلك المدن من سعة وصغر، وقلة النعمة أو كثرتها وما يرتفع منها، وأحوال أهلها وعامرها وغامرها، ومعرفة هيئة كل مدينة من جبال وأنهار وبحار ومفازات مع كل ما يرتفع منها.
وبيّنا مواضع جميع بحار العالم من كبير وصغير، وكذلك الخلجان، مع كل ما يستخرج منها.
وبينا جميع الجزر الكبيرة من عامرها وغامرها وأحوال ناسها وكل ما ينتج فيها.
وبينا جميع الجبال الرئيسة في العالم والمعادن المختلفة الموجودة فيها، والحيوانات التي تأوي إليها.
وبينا جميع الأنهار الكبيرة التي في العالم، من الأماكن التي تنبع منها حتى تصب في البحر أو يستفاد منها في الزراعة والفلاحة، خاصة تلك التي يمكن للسفن العبور منها، لأن الأنهار الصغيرة لا تعدّ ولا تحصى.
وبيّنا جميع الصحارى والمفازات المعروفة في العالم ومساحاتها طولا وعرضا.
1 / 21
٢- ذكر هيئة الأرض عامرها وغامرها
١- الأرض مدورة كالكرة، والفلك محيط بها، تدور على قطبين، أحدهما يدعى القطب الشمالي، والآخر القطب الجنوبي.
٢- وكل كرة إذا رسمت عليها دائرتين كبيرتين تقطعان بعضهما في زاوية قائمة، قسمت تلكما الدائرتان الكرة إلى أربعة أقسام. كذلك الأرض مقسمة إلى أربعة أقسام بدائرتين: تدعى إحداهما دائرة الآفاق والأخرى خط الاستواء. أما دائرة الآفاق فإنها تبدأ من المشرق وتتجه إلى نهاية العمارة فتمر في القطب الجنوبي، فتقطع ناحية المغرب لتعود إلى المشرق مرة أخرى. وهذه الدائرة هي التي تفصل النصف الظاهر العامر من الأرض عن النصف الآخر المحجوب الذي تحتنا.
وخط الاستواء هو الدائرة التي تخرج من حدود المشرق وتمر من وسط الأرض على أبعد مكان من القطبين حتى تصل إلى المغرب وتستمر حتى تعود إلى المشرق مرة أخرى.
٣- وتقع العمارة في الربع الشمالي من النصف المتصل بخط الاستواء. كما يوجد بعضها في الربع الجنوبي من هذا النصف متصل بخط الاستواء. ومساحة هذه العمارة الواقعة في الشمال هي بعرض ٦٣ درجة وبطول ١٨٠ درجة.
ولما كانت أكبر دائرة تحيط بالأرض هي ٣٦٠ درجة، ومساحة العمارة في الناحية الجنوبية تزيد بقليل على ١٧ درجة في ١٨٠ درجة، ومقدار مساحة الاثنتين تساوى ٩/١ مساحة الأرض، فإن جميع مدن العالم والممالك المختلفة والبحار والجبال والأنهار وكل مكان تأوي إليه الأحياء يشكل ٩/١ الأرض التي ذكرناها.
٤- أما ناحية المشرق فآخر مدينة فيها هي قصبه الصين التي تدعى خمدان، وتقع على ساحل البحر الأخضر الذي يسميه الروم الأوقيانوس المشرقي ويسميه العرب البحر الأخضر. وكما يقول أرسطاطاليس في كتاب الآثار العلوية، فإن هذا البحر يحيط بالأرض مثل دائرة الآفاق ولا تمخر عبابه سفينة [٢ ب] ولم يقطعه أحد ولا تعلم نهايته، وحيثما كانت العمارة تمكن الجميع من رؤيته، لكن لا يمكن شقه إلا بالمقدار القريب جدا من العمارة. كما أن آخر مدنه قي ناحية المغرب تدعى السوس الأقصى، وتقع على
1 / 22
ساحل البحر الذي يدعى الأوقيانوس المغربي؛ وماء هذا البحر يشبه ماء الأوقيانوس المشرقي في لونه وطعمه ورائحته، وكل ما كان من العمارة في المغرب من شمال هذا البحر وجنوبه، متصل به. ولا يمكن عبوره بالسفينة إلا في المناطق القريبة من العمارة.
ثم إنهم تفحصوا فوجدوا أن كلا البحرين هما بحر واحد يدور حول الأرض من المشرق إلى المغرب ويمر بالقطبين. وبسبب هذا البحر لا يعلم أحد خبر ما في النصف الآخر.
٥- أما خط الاستواء في هذا النصف، فأغلبه يمر بالبحر الأعظم، وتقع العمارة من خط الاستواء باتجاه الشمال في ٦٣ درجة، وأما ما يلي ذلك فلا يستطيع كائن أن يعيش فيه لشدة البرد حتى القطب الشمالي.
بينما الناحية الجنوبية من خط الاستواء، ففي بعضها بحر، وفي الآخر حر شديد، وأهلها بعيدون عن طباع الناس، وهم زنوج وأحباش وأمثال ذلك. أما ما يلي تلك الناحية وحتى القطب الجنوبي فلا يمكن أن يعيش فيه أحد لشده حرة. وبالله التوفيق.
1 / 23
٣. القول في البحار والخلجان «١»
[البحيرات الكبيرة]
١- البحر الأخضر:
هو الذي سميناه المحيط المشرقي «٢»، وحدّه المعلوم يبتدئ من آخر العمارة في الجنوب فيمر بخط الاستواء وجزيرة الواق واق ومدن الواق واق وناحية الصين وأطراف مدن التغزغز والخرخيز، ولا يعرف أي خليج في هذا البحر.
1 / 24
٢- البحر الآخر هو المحيط المغربى «١»:
وحده المعلوم يبتدئ من آخر مدن السودان ومدن المغرب والسوس الأقصى، فيمر على الخليج الرومي وآخر مدن الروم والصقالبة، ثم يمر على جزيرة تولي «٢» . وفي هذا البحر خليج واحد وهو الخليج الذي يربط هذا البحر بالبحر الرومي.
٣- والآخر بحر كبير يدعى البحر الأعظم «٣»:
حده المشرقي متصل ببحر المحيط المشرقي. ويمر عليه ما يعادل ثلث خط الاستواء. ويبدأ الحد الشمالي لهذا البحر من الصين فيمر على مدن الهند ومدن السند، ومن ثم يمر بحدود كرمان وفارس، وكذلك على حدود خوزستان وحدود البصرة. أما حده الجنوبي فيبدأ من الجبل الطاعن، ويمر ببلاد الزابج، ثم يصل إلى بلاد الزنوج والأحباش. والحد المغربي لهذا البحر خليج يحيط بجميع بلاد العرب.
ولهذا البحر خمسة خلجان:
1 / 25
الأول: الخليج الذي يبدأ من حدود الحبشة ويمتد نحو المغرب حتى يصل أمام السودان ويقال له الخليج البربري «١» .
الثاني: خليج يتصل بهذا الخليج متجه نحو الشمال حتى يصل حدود مصر، حيث يضيق بعد ذلك ليصبح عرضه هناك ميلا واحدا، ويدعى الخليج العربي وخليج إيلة أيضا، ويدعى خليج القلزم كذلك «٢» .
الثالث: يبدأ من حد فارس، ويتوسط متجها نحو المغرب والشمال حتى لا يبقى بينه وبين خليج إيلة سوى ستة عشر منزلا على الجمّازة «٣»، ويدعى هذا الخليج خليج العراق، وإن جميع بلاد العرب تقع بين هذين الخليجين: خليج إيلة وخليج العراق.
الرابع: يدعى خليج فارس، ويبدأ من حد فارس «٤» مع اتساع قليل، حتى يبلغ حدود السند.
الخامس: [٣ أ] خليج يبدأ من حدود بلاد الهند، ويصبح خليجا، ويصب في ناحية الشمال ويدعى الخليج الهندوي «٥» .
وكل مكان من هذا البحر الأعظم يدعى باسم المدينة أو البلاد التي تحاذيه، كبحر فارس وبحر البصرة وبحر عمان وبحر الزنج وبحر الهند، وما شابه ذلك.
وفي هذا البحر توجد معادن جميع الجواهر التي تستخرج من البحر. وطوله ثمانية آلاف ميل، وعرضه يختلف حسب المكان. وفيه يحدث المدّ والجزر مرتين في اليوم والليلة من حدود القلزم حتى الصين. والمدّ هو أن يزداد الماء ويرتفع، والجزر هو أن يقلّ الماء وينخفض. وفي أي بحر آخر لا يكون المدّ والجزر إلا بزيادة أو انخفاض الماء في البحار.
٤- بحر الروم «٦»:
في بلاد المغرب. وصورة ذلك البحر كصورة الصنوبر. الحدّ المغربي منه متصل ببحر الأوقيانوس المغربي، والحد الشمالي لهذا البحر، مدن الأندلس
1 / 26
والإفرنجة والروم. والحد المشرقي لهذا البحر مدن أرمينية وبعض الروم والحد الجنوبي له، مدن الشام ومصر وإفريقية وطنجة. وفي هذا البحر خليجان: الأول متصل ببحر الأوقيانوس «١»؛ والآخر كالنهر يقطع وسط الروم ثم يمر بمحاذاة القسطنطينية ليصب في بحر بنطس «٢» .
ولا يوجد أى بحر جميع أطرافه المحيطة به أكثر عمارة من هذا البحر.
وطول هذا البحر أربعة آلاف ميل، أما عرضه فمختلف، وأكثر أقسامه عرضا هو خليج القسطنطينية الذي يبلغ أربعة أميال. وأشدها ضيقا موضع من الخليج المغربي حيث يبلغ عشرة فراسخ. ولا يمكن رؤية الساحل الآخر عند الوقوف على أحد ساحليه.
٥- بحر الخزر «٣»:
ناحية المشرق منه مفازة متصلة بالغوز وخوارزم. وناحية الشمال منه متصلة بالغوز وجزء من بلاد الخزر. وناحية المغرب منه متصلة بمدن الخزر وآذربايجان. وناحية الجنوب منه متصلة بمدن الجيل والديلم وطبرستان وجرجان. وليس لهذا البحر خليج.
وطول هذا البحر أربعمائة فرسخ في عرض أربعمائة فرسخ، وليس فيه أي شيء سوى الأسماك.
1 / 27
٦- بحر الجرزيان الذي يدعى بحر بنطس «١»:
حدّه المشرقي حدود اللّان، وحده الشمالي مساكن البجناك والخزر والمروات وبلغار الداخل والصقالبة. وحده المغربي ناحية برجان، وحد الجنوب منه ناحية الروم.
وطول هذا البحر ألف وثلاثمائة ميل في عرض ثلاثمائة وخمسين ميلا.
٧- بحر خوارزم «٢»:
يقع على بعد أربعين فرسخا بين المغرب والشمال، وتحيط به مساكن الغوز من كل جانب. ومحيط هذا البحر ثلاثمائة فرسخ.
فهذه سبعة أبحر. وغير هذه يوجد كثير من البحيرات الصغيرة، بعضها عذب المياه وبعضها مرّ، لكن البحيرات الصغيرة ذات المياه المالحة إحدى عشرة بحيرة:
[البحيرات الصغيرة ذات المياه المالحة]
الأولى: بحيرة ماوطس «٣»:
في آخر حدّ الصقالبة من جهة الشمال. وطول هذه البحيرة مائة فرسخ في عرض ثلاثين، ومن بحر بنطس يتصل بها خليج. كما يتصل بهذه البحيرة خليج بالأوقيانوس المغربي. وتحيط بها مناطق غير عامرة.
1 / 28