وقفت للحظة، متسائلا عما حدث لها. ثم عرفت ما حدث؛ فكل الأشجار لم تعد موجودة حول حافتها، وبدا كل شيء عاريا ومختلفا، في الحقيقة بدت على نحو مدهش كالبركة المستديرة في حدائق كينزينجتون. كان الأطفال يلعبون في كل مكان حول حافة البركة، وكانوا يركبون قوارب شراعية وقوارب تجديف، وكان هناك أيضا بعض الأطفال الأكبر سنا يندفعون في قوارب الكنو الصغيرة التي تقودها بتدوير المقبض. على اليسار، حيث كان قديما مصف القوارب المتعفن القديم، كان ثمة ما يشبه السرادق وكشك للحلوى، ولافتة بيضاء كبيرة مكتوب عليها «نادي أبر بينفيلد النموذجي لليخوت».
نظرت إلى اليمين، فكان المكان كله منازل. لا بد أنني كنت في الضواحي الخارجية؛ فكل الأشجار التي كانت تنمو وراء البركة، والتي نمت على نحو شديدة الكثافة حتى بدت كغابة استوائية، قد اقتلعت وأصبحت الأرض مستوية. ولم يتبق سوى مجموعات صغيرة من الأشجار حول المنازل. كانت منازل ذات مظهر فني، وكانت واحدة من تلك المستعمرات التي تقلد الطراز التيودوري كالتي رأيتها في اليوم الأول لي عند قمة تل تشامفورد، فقط كانت تبدو كذلك على نحو أكبر. كم كنت أحمق حين تخيلت أن هذه الأشجار ستظل كما هي! رأيت ما كانت عليه؛ فلم يكن هناك سوى أجمة واحدة صغيرة، ربما على مساحة ستة فدادين، هي فقط التي لم تقطع، وكان من الصدفة البحتة أنني مشيت عبرها في طريقي إلى هنا. أبر بينفيلد، الذي كان مجرد اسم في الماضي، تطور ليصبح بلدة كبيرة. في الحقيقة، لم يكن سوى أرض على أطراف لوير بينفيلد.
مشيت إلى حافة البركة، حيث كان الأطفال يتحركون في المياه ناثرين بعض الرذاذ حولهم، ويحدثون ضوضاء لعينة. وبدا أن هناك أعدادا كبيرة منهم في المكان. أما المياه، فقد بدت ميتة؛ فلم يعد فيها أسماك. وكان ثمة رجل واقف يشاهد الأطفال. كان رجلا عجوزا بعض الشيء، برأس أصلع وبضع خصلات من الشعر الأبيض، ونظارة أنفية، ووجه تظهر عليه بشدة آثار حروق الشمس. كان ثمة شيء غريب على نحو شديد الغموض حول مظهر ذلك الرجل؛ فقد لاحظت أنه كان يرتدي بنطالا قصيرا وصندلا وقميصا من الحرير الصناعي مفتوح الصدر، ولكن ما لفت انتباهي في الواقع كانت النظرة في عينيه، فقد كانت له عينان شديدتا الزرقة، من ذلك النوع الذي تراه متلألئا من وراء نظارته. لاحظت أنه من هؤلاء الرجال الكبار في السن الذين لا تظهر قط عليهم آثار العجز؛ فهم دائما يحافظون على تناول الأطعمة الصحية، أو يعملون مع فتيان الكشافة، في كلتا الحالتين هم يستمتعون بالطبيعة والحياة في الهواء الطلق. كان ينظر إلي كما لو كان يريد التحدث معي.
قلت: «اتسعت أبر بينفيلد كثيرا.»
نظر إلي بعينيه الوامضتين، وقال: «اتسعت! يا عزيزي، نحن لا نسمح أبدا باتساع أبر بينفيلد؛ فنحن نفخر بكوننا أشخاصا استثنائيين في هذا المكان المرتفع هنا، كما تعلم، فنحن مستعمرة صغيرة منفردة، بلا متطفلين، ها ها.»
قلت: «أعني مقارنة بما كان قبل الحرب؛ فقد كنت أعيش هنا في صباي.» «آه. بلا شك. كان هذا قبل مجيئي إلى هنا بالطبع؛ ولكن عقارات أبر بينفيلد تعد شيئا مميزا في عالم البناء كما تعلم، حيث شكلت عالما صغيرا خاصا بها؛ فكل التصميمات هي تصميمات المعماري الشاب إدوارد واتكين. بالطبع سمعت عنه. نحن نعيش وسط الطبيعة بالأعلى هنا، بلا ارتباط بالبلدة هناك بالأسفل - ولوح بيده في اتجاه لوير بينفيلد - حيث المصانع القذرة المظلمة، ها ها!»
كانت لديه ضحكة خافتة عجوز وطيبة، وطريقة لتجعيد وجهه كالأرنب. على الفور، كما لو كنت قد سألته، شرع في إخباري بكل شيء عن عقارات أبر بينفيلد والشاب المعماري إدوارد واتكين، الذي كان يحب الطراز التيودوري، وقد كان رجلا رائعا لأنه استطاع العثور، على العوارض الخشبية الأصلية التي ترجع إلى العصر الإليزابيثي في منازل المزارع القديمة، وشراءها بأثمان قليلة. وقد كان هذا الشاب المثير للاهتمام روح حفلات التعري. وقد كرر الرجل العجوز عدة مرات أنهم كانوا أشخاصا استثنائيين للغاية في أبر بينفيلد، ومختلفين تماما عن الناس في لوير بينفيلد؛ فقد عزموا على إثراء الريف بدلا من تشويهه (أنا أستخدم كلماته)، وأن عقاراتهم لم يكن فيها أي منازل عامة. «يتحدث الناس عن مدن الحدائق، ولكننا نسمي أبر بينفيلد مدينة الغابة، ها ها! الطبيعة!» أشار بيده إلى ما تبقى من الأشجار، واستأنف قائلا: «الغابة البكر تحتضننا، وينمو صغارنا وسط جمال الطبيعة؛ وتقريبا جميعنا من المتنورين بالطبع. هل تصدق أن ثلاثة أرباعنا هنا من النباتيين؟ لا يحبنا الجزارون المحليون على الإطلاق، ها ها! وبعض الشخصيات البارزة تعيش هنا. الآنسة هيلينا ثورلو، الروائية - لقد سمعت عنها بالطبع - والبروفيسور وود، الباحث في المجال النفسي، يا له من شخصية شاعرية! إذ يذهب متجولا وسط الغابة، ولا تتمكن عائلته من إيجاده في أوقات الوجبات. ويقول إنه يتجول وسط الجنيات. هل تؤمن بوجود الجنيات؟ أعترف - ها ها! - أنني أشك قليلا في الأمر، ولكن صوره الفوتوغرافية شديدة الإقناع.»
بدأت أسأل نفسي عما إذا كان أحد الهاربين من منزل بينفيلد؛ ولكن لا، فقد كان عاقلا إلى حد كبير. أعلم هذا النوع، حيث النظام الغذائي النباتي، والحياة البسيطة، والشعر، وتقديس الطبيعة، والاستمتاع بالندى قبل الإفطار؛ فقد قابلت بعضا منهم قبل بضع سنوات في إيلينج. ثم أخذني في جولة في المكان، حيث لم يكن شيء متبقيا من الأشجار، فقد كان المكان كله مليئا بالمنازل، ويا لها من منازل! هل تعرف هذه المنازل المقلدة على الطراز التيودوري، ذات الأسقف المجعدة والدعامات التي لا تدعم أي شيء، والحدائق الصخرية التي يضعون فيها أحواض شرب الطيور الإسمنتية، وتماثيل الأقزام الخرافية الحمراء الصغيرة المصنوعة من الجص التي يمكنك شراؤها من محلات الزهور؟ يمكنك أن تتخيل المجموعات البشعة التي تعيش هنا من خبراء التغذية وصائدي الأشباح ومهاويس الحياة البسيطة الذين يحصلون على ألف جنيه في السنة. حتى الأرصفة كانت مختلة. لم أتركه يأخذني بعيدا؛ فقد جعلتني بعض المنازل أتمنى لو كان معي قنبلة يدوية في جيبي. حاولت تثبيطه بسؤاله عما إذا كان الناس لم يعترضوا على العيش بجوار مصحة للأمراض العقلية، ولكن ذلك لم يكن له الأثر الكبير عليه. وأخيرا، توقفت وقلت: «كانت ثمة بركة أخرى هنا، بجوار البركة الكبيرة. ولا بد أنها ليست بعيدة عن هنا.» «بركة أخرى؟ أوه، بالتأكيد لا. لا أعتقد أنه كان ثمة أي بركة أخرى هنا.»
قلت: «ربما جففوها. لقد كانت بركة شديدة العمق. ولا بد أنها ستترك حفرة كبيرة مكانها.»
للوهلة الأولى، بدا قلقا بعض الشيء، ثم فرك أنفه وقال: «آه. بالطبع، لا بد أنك قد فهمت أن حياتنا بالأعلى هنا هي حياة بدائية نوعا ما، حياة بسيطة، كما تعلم. ونحن نفضلها كذلك؛ ولكن البعد الشديد عن البلدة قد يكون له أضرار بالطبع؛ فبعض من إجراءاتنا الصحية ليست مرضية تماما. أعتقد أن عربة القمامة لا تأتينا إلا مرة واحدة في الشهر.» «أتعني أنهم حولوا البركة إلى مكب للنفايات؟» «حسنا، ثمة شيء في طبيعة ... وقد خجل من كلمة مكب النفايات. علينا أن نتخلص من العلب المعدنية وما إلى ذلك بالطبع هناك خلف الكتلة الشجرية تلك.»
Неизвестная страница