ثم مستطردا: هي مجرد أصوات يا عزيزتي منى. - كيف يهنأ بعض الناس بالنوم؟ - إنهم يضعون على أعينهم نظارات التاريخ السحرية، فتتجلى لهم رؤية أخرى. - ألا ترى تلك النظارات عشرات الألوف من الضحايا؟ - كلا، ولكنها ترى ما هو أخطر! - أأنت جاد فيما تقول؟ - كل الجد. - إذن فأنت راض؟ - لست من صانعي التاريخ، فنظرتي رهن بضعف بصري، وهي مليئة بالشجن والعبث.
وولاها ظهره ليملأ الكأس من جديد، فتناولت كأسها وشربت، حتى النصف. ثم تحول نحوها قائلا: اشربي، يلزمك ثلاث كئوس على الأقل.
فابتسمت لأول مرة وقالت: بك حنين ملحوظ إلى الوطنية، فهل قمت بواجبك؟
فصب الشراب في جوفه دفعة واحدة، ثم قال: في مثل سني يكفي أن أحمل الكاميرا، وأزور الجبهة لأقوم بواجبي! - ثم ترجع إلى بيتك السحري! - هنا أنتهب لذات عابرة بدافع الذعر والحزن. - سعداء هم الكهول! - ما أتعس البلد الذي يحسد فيه الكهول على كهولتهم!
وتبادلا نظرة طويلة لا تخلو من عذوبة، ثم قال: دعوتك لأسليك فانظري ...
فقاطعته بهدوء: الأستاذ حسن حمودة يرغب في الزواج مني!
فذهل حسني حجازي، صمت مليا، ثم هتف: إنه يماثلني في السن!
فهزت رأسها نفيا وقالت: إنه في الأربعين! - أراهن على أنك ستوافقين! - لم تتوهم ذلك؟ - ربما احتجاجا على الحب الذي أعطيته أعز ما تملكين، ثم لم تجني منه إلا التعب.
فقالت بنبرة ساخرة: سالم علي تزوج من مومس! - لم يعد لهذه الكلمة من معنى!
فتساءلت وهي تتنهد: أليس من المضحك أن يفعل اثنان بنفسيهما ما فعلنا وهما يتبادلان الحب؟ - اشربي كأسك وتزوجي من حسن حمودة، فلا خير في أن تبقي وحيدة لتجتري أحزانك حتى تقتلك!
Неизвестная страница