واعتبر ردها مناورة لطيفة ليس إلا، بل استجابة لرغبته القلبية. وأشار بذراعه المفتولة إلى كافتيريا هارون، فمالت معه إليها بلا تردد. ومضيا إلى الحديقة الخلفية، فاختار مجلسا شبه خال تحت تكعيبة اللبلاب، وتفحصا المكان، وتبادلا نظرات. استشعر دون شكاية حرارة الجو المشبعة بالرطوبة، وطلب قدحين من شراب الليمون. وكان يتوثب للكلام فيما يهمه، ولكنه قال لنفسه فليأت الكلام في وقته وبطريقة عفوية، فهذا أفضل. قال: مضى عهد الجامعة كحلم.
فقالت تكمل جملته: بمتاعبه ومسراته. - وما هي إلا أشهر، حتى يتسلم كل منا وظيفته.
فأحنت رأسها بالإيجاب، ثم تساءلت: ولكن إلى أين تمضي الدنيا؟
هذ السؤال الذي يرتطم به في كل مكان وزمان. إلى أين؟ حرب أم سلام؟ وطوفان الشائعات؟ - لتمض إلى حيث تشاء.
وشربا الليمون، حتى دمعت عيناهما، ثم سألها: وما أخبار أخيك إبراهيم؟ - بخير، رسائله قليلة، ولكنه يجيء من الجبهة مرة كل شهر.
وكأنما أرادت أن تعتذر عنه فقالت: مرزوق .. لو لم تكن وحيد أبويك لاستدعيت مثله إلى الجندية!
فلم يعلق بحرف، واستسلما معا للصمت. وعاوده التوثب للكلام في موضوعه، فقال ضاحكا: لا يجوز أن نضفي البراءة على اجتماعنا أكثر من ذلك.
فلعبت في عينيها نظرة مرحة وقالت: إذن فاجتماعنا بريء!
فقال بجدية: أعني الموضوع الذي حدثتك عنه أختي سنية.
فقالت بحذر: لا تنقصك الصديقات فيما أعلم؟
Неизвестная страница