أما أم براين، فما كانت لتنظر إلى الخريطة، قائلة إنها تربكها، وهو ما يضحك الرجلين منها؛ لأنهما يريانها بالفعل دوما مرتبكة. والسبب كما يراه زوجها أنها أنثى، بينما يرى براين أن السبب وراء ارتباكها هو أنها أمه. فهي لا تهتم إلا بالسؤال عما إذا كان أحدهم جوعان أو عطشان، وهل ارتدت الصغيرتان قبعتيهما للوقاية من الشمس، وهل دهنتا مستحضرات الحماية منها، وعن تلك العضة الغريبة على ذراع كيتلن التي لا تبدو كلدغة بعوضة. كما أنها - في هذه الإجازة - أرغمت زوجها على أن يرتدي قبعة كبيرة من القطن تغطي وجهه، وكانت ترى أن براين يجب أن يرتدي قبعة مثلها، مذكرة إياه بإصابته بضربة الشمس في ذاك الصيف الذي قضوه في أوكاناجان عندما كان طفلا. وأحيانا يقول براين لأمه بنبرة يغلب عليها الانفعال: «فلتهدئي يا أمي؛ كفي عن الثرثرة.» لكن أباه يوبخه على تلك الطريقة غير المناسبة التي يخاطب بها أمه هذه الأيام.
فيقول براين: «إنها لا تمانع.»
ويرد أبوه: «أنى لك أن تعرف؟»
فتقول أمه: «أوه، يا إلهي.» •••
في كل صباح، ما إن تستيقظ بولين حتى تنهض من الفراش مبتعدة عن ذراعي وساقي براين، الطويلة الكثيرة الحركة أثناء النوم. تستيقظ على أول ما تصدره طفلتها الرضيعة مارا من همهمة وصراخ متقطع في غرفة الأطفال، ثم على صوت صرير مهدها - هي الآن في شهرها السادس عشر وعلى وشك الانتهاء من فترة الرضاعة - بينما تشد جسدها لأعلى محاولة الوقوف متعلقة بحافة المهد. وتواصل الرضيعة همهمتها اللطيفة الناعمة بينما ترفعها بولين خارج المهد لتذهب بها إلى المطبخ كي تغير حفاضتها على الأرض، في حين تتحرك كيتلن التي دنت من الخامسة من عمرها في فراشها المجاور دون أن تفيق من نومها. بعد ذلك، توضع مارا في عربتها ومعها قطعة من البسكويت وزجاجة من عصير التفاح، في حين ترتدي بولين ثوبها عاري الذراعين المناسب للطقس الحار وتنتعل صندلها، ثم تدلف إلى دورة المياه لتمشط شعرها، بقدر ما تستطيع من سرعة وهدوء. وبعدها، تخرجان من الكوخ متجاوزتين بعض الأكواخ الأخرى لتسيرا على الطريق الوعر غير الممهد الذي لا يزال يخيم على معظمه الظل الصباحي، ليبدو كأرضية نفق تظلل عليها أشجار الأرز والتنوب.
كذلك يعتاد الجد أن يفيق مبكرا، فيراهما من شرفة كوخه، وتراه بولين بالمثل فتلوح له بيدها فحسب. فما من كلام كثير بينهما ليتبادلا أطرافه (مع أنهما في بعض الأحيان يشعران ببعض من التآلف الروحي حين يقوم براين ببعض تصرفاته الغريبة لوقت طويل أو تصدر الجدة بعض الجلبة التي تأسف لها لكن - في الوقت نفسه - تصر عليها؛ وحينها يحرص كلاهما على ألا ينظر أحدهما للآخر حتى لا تشي نظراتهما باستياء قد يسيء للآخرين).
في هذه الإجازة، اختلست بولين وقتا لنفسها؛ ولا يختلف قضاء الوقت مع مارا كثيرا عن قضائه بمفردها؛ فتتنزه في الصباح الباكر، ثم تختلي بنفسها في ساعة متأخرة من الصباح لغسل الحفاضات وتعليقها على الحبال لتجف. وقد تستطيع أن تقتنص ساعة أخرى أو نحو الساعة بعد الظهيرة، حين تغفو مارا. لكن براين أقام مظلة على الشاطئ وكان يحمل سرير اللعب إليها كل يوم حتى تغفو مارا ولا تضطر بولين أن تغيب عنهم؛ إذ يقول إن والديه قد يشعران بإهانة إذا ما تسللت مبتعدة عنهما كل يوم. لكنه مع هذا يرى أنها تحتاج وقتا تراجع فيه دورها في المسرحية التي ستمثلها في سبتمبر المقبل حين يعودون إلى فيكتوريا.
بولين ليست ممثلة، وليس هذا إلا عرضا للهواة مع أنها ليست حتى ممثلة هاوية، كذلك فإنها لم تختبر لأداء هذا الدور، لكن تصادف أنها كانت قد قرأت المسرحية بالفعل. إنها مسرحية «يوريديس» لجان أنويه. وفيما بعد قرأت بولين كل ما يخطر ببال.
تلقت بولين عرضا للاشتراك في هذه المسرحية من رجل كانت قد التقته في يونيو الماضي في حفل شواء. وكان معظم من حضروا الحفل معلمين، ومعهم زوجاتهم أو أزواجهن؛ إذ كان مقاما في بيت ناظر المدرسة التي يعمل بها براين. أتت مدرسة اللغة الفرنسية الأرملة بصحبة ابنها البالغ الذي كان يقيم معها خلال الصيف ويعمل موظفا ليليا في فندق بوسط البلدة. أخبرت الحضور أن ابنها قد حاز وظيفة ليدرس في جامعة بولاية واشنطن الغربية، وأنه سوف يسافر إلى هناك في الخريف.
اسمه جيفري توم، وقال بخصوص اسمه: «توم وليس توم»، وكأنه لا يحتمل أي مزاح بشأن اسمه الذي يختلف عن اسم أمه؛ لأنها ترملت مرتين، وكان هو ابن زوجها الأول. تحدث عن وظيفته قائلا: «لا ضمان أن تلك الوظيفة ستدوم، فالتعاقد محدد بعام واحد.»
Неизвестная страница