وآلة كاتبة جديدة تدور بقوة النفط، وتكتب بجميع اللغات، وراء الآلة الكاتبة كان هناك كرسي من الجلد يدور، من فوقه جلس مندوب البوليس، فوق رأسه تتدلى من الجدار صورة مكبرة لصاحب الجلالة، داخل إطار من الذهب، حواشيه محلاة بحروف مقدسة. - هل حدث أن خرجت زوجتك في إجازة من قبل؟
أطبق زوجها شفتيه في صمت، اتسعت عيناه كمن يصحو من النوم فجأة، كان مرتديا منامة وعضلات وجهه متهدلة، فرك عينيه بطرف أصبعه وتثاءب، كان جالسا فوق كرسي من الخشب ثابت في الأرض. - لا. - هل حدث بينكما شجار؟ - لا. - هل خرجت عن طاعتك في يوم من الأيام؟ - لا.
كان التحقيق يدور في غرفة مغلقة، لمبة حمراء معلقة فوق الباب، لا يخرج شيء إلى الصحف، تحفظ التقارير داخل ملف سري له غلاف أسود، كتب عليه: «امرأة تخرج في إجازة.»
مندوب البوليس كان جالسا فوق الكرسي المتحرك، يدور به فيصبح ظهره ناحية الجدار، وصورة صاحب الجلالة في مواجهته، كان الكرسي الآخر ثابتا في الأرض، من فوقه جلس رجل آخر، ليس زوجها وإنما رئيسها في العمل. - هل كانت من النساء المشاغبات أو المتمردات على النظام؟
رئيسها في العمل كان واضعا ساقا فوق ساق، بين شفتيه غليون أسود يلتوي إلى الأمام مثل قرن البقرة، عيناه شاخصتان إلى أعلى. - لا، كانت امرأة مطيعة تماما. - هل يمكن أن تكون قد اختطفت أو اغتصبت؟ - لا، كانت امرأة عادية لا تثير الرغبة في اغتصابها. - ما معنى ذلك؟ - أعني كانت امرأة مستسلمة لا تثير شهية أحد.
هز مندوب البوليس رأسه علامة الفهم، استدار بالكرسي فأصبح ظهره ناحية رئيسها، دق بأصابعه فوق الآلة الكاتبة، تسربت رائحة غريبة تشبه الجاز المحروق، مد ذراعه وأدار المروحة، ثم استدار بالكرسي. - أتعتقد أنها هربت؟ - ولماذا تهرب؟!
لم يكن أحد يعرف لماذا يمكن لامرأة أن تهرب؟ وإذا هربت فإلى أين تذهب؟ وهل يمكن أن تهرب وحدها؟ - أتظن أنها هربت مع رجل آخر؟ - رجل آخر؟! - نعم. - لا يمكن. كانت امرأة شريفة تماما، ولا شيء يشغلها إلا العمل والبحث. - البحث؟ - كانت تعمل في البحوث بإدارة الحفريات. - الحفريات! ما معنى هذا؟ - الحفريات هي الآثار المكتشفة من حفر الأرض. - مثل ماذا. - تماثيل قديمة للآلهة القدامى مثل آمون، وإخناتون، أو الإلهات القديمات مثل نفرتيتي وسخمت. - سخمط! ما هذا؟ - إلهة الموت القديمة. - أعوذ بالله!
وجاء خبر من ناظر إحدى المحطات النائية، شوهدت امرأة تهبط إلى المركب، من فوق كتفيها تتدلى حقيبة جلدية بحزام طويل، تشبه الطالبات أو الباحثات في الجامعة، كانت امرأة وحيدة تماما بلا رجل، شيء يطل من حقيبتها له رأس حديدي مدبب يشبه الإزميل.
أصبح مندوب البوليس متوترا، ظهرت حبات العرق فوق جبينه، ضغط فوق زر أسود فازدادت سرعة المروحة، كان لها عنق يدور حول نفسه، وهواء الغرفة شبه مخنوق. - أكانت امرأة طبيعية؟!
فوق الكرسي الخشبي الثابت جلس رجل من علماء النفس، كان فمه يميل إلى الاعوجاج ناحية اليسار، والغليون ذو القرن الملتوي يميل ناحية اليمين، عيناه شاخصتان إلى أعلى قليلا فوق الجدار، كانت الصورة داخل الإطار المذهب، نفث الدخان كثيفا في وجه صاحب الجلالة، ثم انتبه في توجس، وأدار رأسه إلى الناحية الأخرى حيث المروحة وأسدل جفنيه. - لا أظن أنها كانت امرأة طبيعية. - أتعني انشغالها بهذا البحث؟ - نعم، غالبا ما يشير انشغال المرأة بأمور خارج البيت إلى مرض نفسي. - ماذا تعني؟ - امرأة شابة تنطلق في عمل بلا جدوى مثل جمع تماثيل قديمة؟! أليس ذلك دليلا على المرض أو على الأقل الانحراف؟ - انحراف؟ - هذا الإزميل يكشف كل شيء. - كيف؟ - المرأة كي تعوض عن رغباتها التي لم يتم إشباعها تستمتع بغرس رأس الإزميل في الأرض وكأنه عضو الرجل.
Неизвестная страница