كانت مع رجلها الآخر تتفادى هذا الخطر، كان مصابا بفيروس مجهول الاسم، يندرج تحت بنت الحب، لم يكن هو الحب على وجه اليقين، وإن لم يكن هناك ما يثبت العكس، في لحظة تتوقع فيها الحب تراه يجز على أسنانه من شدة الكره، وفي مرة انهال بأسنانه على كتفها في عضة كبيرة، رقدت في الفراش تهذي، تصدر أصواتا تشبه نباح كلب، وجاء الطبيب فغرس في فخذها إبرة ضد السعار، كتب فوق ورقة كلمات غير مقروءة، من نوع: الامتناع الكامل عن الحب وعن أكل المخللات المنقوعة في النفط. - بمقدورك النظر إلي دونما ألم؟
نعم، في أعماقها كانت راضية عنه، ويمكن أن تنظر إليه دون ألم، فلم يكن هناك بديل آخر، كان الأمل معدوما تماما، ولا بد من كتابة العقد. - ألا يكفي الوعد؟ - لا بد من كتابة ورقة. - ألا توجد عندك ثقة؟! - ماذا تعني؟
وقعت على العقد بحركة أشبه بتسليم الروح، كانت الصحف تنشر بإسهاب عن حوادث الاغتصاب، اغتصاب الجسد بطبيعة الحال، فلم يكن أحد يعرف شيئا اسمه اغتصاب الروح. - أتبولين وأنت واقفة؟ هذا ممنوع للنسوة!
من شق الباب كان يراها، لم يكن مسموحا للمرأة أن تقف حين تبول، وكانت هي تفضل الوقوف، فالمرحاض غارق فيما يشبه البركة، وإن جلست تخشى أن يلامس جسدها المقعد، كانت الصحف تتحدث عن الفيروس، ينتقل عن طريق الجلوس، وعن طريق الشيطان أيضا، ما إن ترفع المرأة ثوبها حتى يكون هناك متجسدا على شكل البشر. - إذا اجتمع رجل وامرأة فثالثهما الشيطان.
لم يكن الجماع يتم دون وجود الشيطان، كالسير في الظلمة فوق الجسر، فجأة يظهر الشيطان، واقفا منتصب الشوارب مثل قط جائع، الرجال والنساء على السواء أسرى الوقوع بين أنيابه، كل منهم يتشكك في الآخر، من الذي بدأ، لا أحد يعرف عن يقين ما الذي حدث، ولإثبات البراءة يكتبون ورقة، من لا يعرف الكتابة يستأجر قلما، والأقلام كثيرة، أكان هناك ولع الكتابة؟! - لا، صاحب الجلالة نفسه لم يكن يكتب. - ما المشكلة إذن؟ - مجرد ضوابط. - ماذا تعني؟ - إذا هاجت الروح فلا حدود لهياجها، وإذا لم يكن هناك ورقة فلا ضوابط على الإطلاق، أليس كذلك؟
لم تفتح فمها لترد، كان قد رآها من شق الباب، لم يكن بمقدورها أن تتخفى، لا مجال للحركة حين تلتف الشبكة، من السماء تسقط شباك الموت كالمطر الأسود، في الزواج أيضا يبدو أن هناك شبكة، وهياج الروح مثل هياج العاصفة، ليس أمام الجسد إلا الخضوع، أو ربما هو هاجس غامض، ربما تكون الورقة هي الضمان. - ليس هناك ضمان لشيء. - ماذا تقول؟ - في غمضة عين ينقلب كل شيء إلى النقيض، كنت أراك شابة موفورة الحماس، فإذا بك كهلة عجوز، ألا ترين نفسك؟
كانت المرأة مستلقية في الخلاء أمام البيت، تدلى طرف ثوبها فوق حافة البركة، تطلعت إليه بعينين متسعتين، عينا بقرة مذعورة، حملق الرجل فيها بعين واحدة جاحظة، عين قرموط من السمك مخنوق، فركت زوايا عينيها بطرف أصبعها، دققت النظر إليه، أيكون مثل هذا الرجل حقيقيا؟! بدا لها غير حقيقي، ومع ذلك استمرت في النظر إليه، وانهال تدفق النفط مع الريح، تسلل من تحت ثوبها إلى السروال، وزحف فوق فخذيها، راحت تقاوم الزحف، لكن بعد فوات الوقت.
انتفضت واقفة تنفض عنها السائل الأسود، لكنه راح يزحف رغم إرادتها، يتكور تحت جدار البطن ويتراكم فوق الذراعين والكتفين، نشجت بصوت مبحوح، أصبح أكثر إصرارا، زحف فوق النهدين ومن هناك صعد إلى العنق، أكان يخنقها؟ - لسوء الحظ ليس النفط رجلا حتى يمكن التخلص منه.
سمعت الصوت الغريب يخترق جسمها، بدا لو كان هو صوتها، أو صوت أمها وهي داخل الرحم، لم تكن هي أمها فيما يبدو، وإنما امرأة أخرى استعارت جسمها، وقد انتهت مدة الإعارة، وعاد الجسم إلى صاحبته الأصلية، ربما كانت تخدع نفسها لمجرد الإفلات، لكنها لم تكن تنسى صوت أمها قبل أن تولد، كانت تعوم في سائل غليظ القوام، وتغرق في أحلام كثيرة، آخرها حلم بأنها تبول في الخلاء وتخشى أن يراها أحد. - أنا باحثة محترمة.
أجل، كم مرة حاولت أن تعرفه بنفسها، كم مرة أكدت له حقيقتها، وكونها باحثة في علم الحفريات، ولها زوج ينتظرها هناك، ورئيس في العمل يشهد بكفاءتها، وزميلاتها من النسوة عن يقين يتذكرنها، أيمكن أن تفقد النسوة ذاكرتهن أيضا؟ - أليس من العدل أن تدفع لي أجري؟ هل يمكن أن أفقد عرق جبيني كل هذا العمر؟ وأنا لا أريد إلا تذكرة العودة.
Неизвестная страница