مد رجل البوليس يده بالهراوة وفحص شعر اللحية المتدلية من الذقن، انتهز رئيسها في العمل الفرصة وراح يستعرض الكثير من علمه بالحفريات. - صانعو التماثيل سخروا أنفسهم لخدمة الإله الجديد، وتغير الفن بتغير الحكم، حتى شكل العيون تغير، فالعين المستقيمة ذات الخطوط المباشرة أصبحت خطوطا ملتوية ذات نظرة مزدوجة. - نظرة مزدوجة؟ كيف ذلك؟ - مثلا حين تنظر بعينك اليمنى إلى زوجتك، وإلى امرأة أخرى بالعين اليسرى. - هذا أمر طبيعي، أليس كذلك؟ - كان غير طبيعي حينئذ، وقد تغيرت الشفتان أيضا لتتحول الابتسامة إلى تقطيبة، وكانت اليد مفتوحة فأصبحت مغلقة والأصابع ممسكة بهراوة.
خرجت كلمة هراوة من بين شفتيه من دخان الغليون، فانتفض رجل البوليس واقفا دونما سبب، مخفيا الهراوة في يده وراء ظهره. - ماذا تعني من كل ذلك؟ - أصبحت أم الهول، تغيرت الميم إلى باء، وكان الطوفان يكتسح كل شيء، والزراعة تموت، ومياه الأنهار تتحول إلى سائل أسود له طعم حادق كالملح، وأمر الإله الجديد بإزالة النهدين من فوق التماثيل وإضافة عضو الذكر.
تصلبت أصابع رجل البوليس وهو يدق فوق الآلة.
لم يكن بمقدوره أن يدق كلمة العضو، واستدار داخل الكرسي بحركة دائرية، لم تظهر الحركة في الصورة داخل الصحيفة، لكنها استطاعت أن ترى كل شيء وهي نائمة، عيناها نصف مغمضتين، وفي الحلم تبدو لها الحقيقة أكثر وضوحا. •••
في الحلم كانت تبحث عن شيء تقوله لزوجها، فقد انقطع الحديث بينهما منذ بدأ، لم يكن هناك طريقة لجذبه إليها إلا الاختفاء، كانت في حاجة أيضا إلى جذب الآخرين، والأخريات من النسوة، تدخل عليهن كل يوم في المكتب، شفتاها تنفرجان عن ابتسامة أو تكاد، لولا التكشيرة فوق جبينهن، وعيونهن المنكسة فوق الكتاب، أو وجه صاحب الجلالة يتدلى فوق رءوسهن، أو صورة الإله إخناتون قبل إزالة النهدي، أو ابنة أم الهول التي نزعت عن أمها اللحية المستعارة وكشفت عن أنها امرأة، (مريت-را) ابنة حتشبسوت!
كانت تفتح الباب كل يوم وتطل على تمثالها، الابنة الوحيدة التي تعرفت على وجه أمها، تجلس إلى مكتبها تتطلع إلى وجوه النسوة، لون البشرة أصفر كأنما من الصلصال، رءوسهن نحتت من الحجر الجيري، يغوص في أعماقها إدراك أنها واحدة منهن، تبتلع لعابا مرا يفيض كراهية للذات، لكن عيد صاحب الجلالة يأتي وتنتشر الأضواء، صوت الغناء والموسيقى يتردد في الآذان، يرتدي الأطفال الملابس الجديدة، العيد في الشوارع غيره في البيوت، لا شيء في البيوت إلا أزواج يخفون وجوههم وراء الصحف، يلفون رءوسهم بسحائب من الدخان، تقف الزوجات في المطبخ، يسلقن الفراخ المثلجة لها رءوس من البلاستيك، علب السردين من الصفيح الممغنط، بعد الأكل هناك سفينة للنزهة تبحر ولا تعود، في الطابور الطويل تسقط الشهيدات، وفي نهاية العيد هناك الأتوبيس المتهالك الذي يسقط بمن فيه، قبل انصرام اليوم تذبح الأم أطفالها ثم تلقي بنفسها في اليم، لكن ما أحد يرغب في ارتكاب معصية، والكل يؤدي الفرائض، يرسم فوق وجهه علامة الابتهاج، يرسمها بالقلم الملون فوق بشرة مشققة، وجوه كثيرة تطل في العيد من عربات الأتوبيس، وفوق المراجيح، وفي الاحتفالات الرسمية، لم يكن هناك شيء يبدد الفرحة إلا وجه امرأة مكشوف. ••• - أتعتقد أنها ارتكبت معصية؟ - بالطبع، هذا طبيعي. - ماذا تعني؟ - بصرف النظر عن كشف الوجه فالنسوة بالطبيعة آثمات، إن كيدهن عظيم.
اختلط عليها الصوت، لم تعرف أهو زوجها أو رئيسها في العمل، كان الوجه مثل كل الرجال الآخرين، مكشوف مع جحوظ العينين، يبدو كمن صحا من النوم فجأة، يظهر على الدوام غيرة عليها من الرجال، قد يغار من صداقة تنشأ بينها وبين الكائنات الأخرى، كالزواحف مثلا، عداء قديم غير مفهوم بينه وبين السحلية، وهو من النوع المكتوم، كعادة الأزواج أو الرؤساء، لا يطلع أحدا على خلجات نفسه، إلا أمام رجل البوليس في التحقيق، حين بدأ يتعرف لأول مرة. - يراودني الشك. - لم نسمع منك هذا من قبل! - هذا العيد مثلا ... - ماذا في العيد؟ - يجعلنا نعتقد أن شيئا ما موجود، بينما لا وجود له؛ ولهذا فإني أفضل العمل في شركة النفط. - النفط؟ - نعم، إنه سائل بلا قوام لكنه يبعث أكثر على الطمأنينة. - لا أفهمك. - لا أستطيع التعبير عن نفسي بصورة أدق. - أتعني أنك متورط مع المرأة؟ - لا، ولكني حين يزداد التدفق فأنت نفسك تصبح مثل النفط، وهكذا يتبدد القلق بشأن الموت. - لا بد أنك مقتنع بما تقول، وأحسب أنك أقنعتها، فخرجت في إجازة، أليس كذلك؟ - لم تكن في حاجة إلى اقتناع مني. - كيف؟ - أعتقد أن فيها شيئا يشبه النفط مثل سائر النسوة. •••
أمسكت رأسها بيديها الاثنتين، لأول مرة تسمع رأيه فيها وهي غائبة، كان حضورها الدائم يحجب الحقيقة، وأصبح الغياب في حد ذاته هدفا، قد يكشف فيه عن خلجات نفسه، كان بينهما ما يشبه الثأر، يرتدي ثوبا آخر أكثر رقة، وينتهي الحوار بينهما بالصمت، تخرج من البيت إلى العمل كل يوم كأنما تخرج من قبضة لتسقط في قبضة أخرى، والسقف واحد يشبه القبو، تشد نفسها من القبو لتصبح تحت قبو آخر، والضجة تشبه الصمت.
لم يكن طلب إجازة لم تعلن عنه لأحد، لكن الحسد ظهر على الفور في عيون النسوة، يتخفى تحت طبقة من اللوم، وكلهن رغبة في المعصية، يضقن ذرعا بالفضيلة، لولا أن طلب الإجازة كان يستوجب التصريح، وجرأة غير مسبوقة للحب. - الحب؟!
أجل، كان يمكن لقلبها أن يخفق، فالأمر بسيط للغاية، والحب لم يكن معدوما بينها وبين الرجل، كان يربطهما بقوة إلى حد وقوع خصام كل يوم، ولا فكاك من التواجد معا تحت سقف واحد. - كيف كانت العلاقة بينكما؟ - شرعية بالطبع. - أهناك عقد مكتوب؟ - بالطبع. - من أي نوع؟ - عقد عمل وزواج.
Неизвестная страница