كانت الشركة تبتعد كلما هي اقتربت، غابت الشمس وبدأ الليل يزحف، أتت بحركة انحناء مفاجئة كأنما ستنام، منذ الطفولة لم تحمل شيئا فوق رأسها، أرسلتها خالتها إلى المدرسة، كانت تربط المنديل وتلفه حول جبينها ثلاث مرات، وتقسم بالسيدة الطاهرة ألا تحمل بنت أختها شيئا فوق رأسها.
رفعت البرميل من فوق رأسها وحملته فوق ظهرها، ربما يكون هذا الوضع أفضل؛ إذا تسربت السخونة إلى الظهر فلا شيء هناك إلا العظم، أما سخونة الرأس فهي تذيب العقل. «ألهذا السبب تحمل الحمير فوق ظهرها وليس فوق رءوسها!»
أدهشتها الفكرة، أصبح ذهنها أكثر نشاطا، بدت لها الحمير أكثر ذكاء من النسوة، أدركت أيضا لماذا يرفض الرجال أن يحملوا فوق رءوسهم؟ أزاحت البرميل قليلا أسفل ظهرها، فأصبح أقل وزنا، بدأ الهواء المنعش يدخل صدرها ببطء، تحرر رأسها من الثقل، طرأت لها فكرة جديدة، كانت دهشتها تزداد كلما أوغلت في الفكرة، بدأ جسدها يرتعد، موجة من التمرد تغزوها على شكل الرعشة.
مسحت العرق عن جبينها بكفها، أمعنت النظر إلى حياتها، ما الذي يعجزها؟ في طفولتها ماذا أرادت أن تكون؟ تساقط جسدها من الإعياء، كانت تريد أن تكون نبية مثل السيدة الطاهرة، بمقدورها أن تعيد الحركة إلى السيقان الكسيحة، والبصر إلى العيون المريضة. - امرأة نبية؟! لم نسمع عن هذا من قبل! - ورثت الجنون عن خالتها. - ركبها عفريت.
أغمضت عينيها وراحت في النوم، كانت تقاوم اليأس بالسقوط في النوم، يسترد عقلها بعض الحماس، يزحف الأمل إلى جسدها مثل دودة الأرض، نظرت إلى الساعة فوق معصمها، الوقت يمضي وهي راقدة، هبت فوق قدميها، مدت ذراعها وقبضت على الإزميل.
كانت الأرض تتغير مع تغير النفط، وكان النفط يتغير مع حركة الشمس والريح، وأنفاسها في صدرها تعلو وتهبط مع ارتفاع درجات الأمل واليأس، واندفاعة الدم من القلب إلى الذراعين، ومن الذراعين إلى الإزميل، ومن الإزميل إلى الأرض، ومن الأرض إلى النفط والريح والشمس.
بدا كل شيء يدور في توازن عجيب كأنما هو ناموس الكون، إذا تغير النفط فكل شيء من حولها يتغير، الأرض والسماء وجسدها أيضا يتغير، ربما هي قوة للنفط غير معقولة، أو طبيعة أخرى غير مألوفة، فالنفط المتجمد ليس هو النفط السائل، وطين النفط الراسب في القاع له قوام آخر، ومقاومة مختلفة تماما، وفي بطن الأرض يتغير كل شيء حتى الرطوبة، وفي رأسها تدور الفكرة وراء الفكرة، والإزميل يضرب الأرض الضربة وراء الضربة، دون جدوى، لا أثر لشيء وكل شيء ينتهي إلى لا شيء.
حين عادت رأت الرجل راقدا فوق ظهره وعيناه مفتوحتان وفي يده سيجارة مشتعلة، حرك رأسه قليلا ناحيتها وسأل: هل قلت شيئا؟ لم تكن تكلمت، كانت ترمق الشعلة في يده، ربما كان الحريق هو الخلاص. - ماذا قلت؟ - لا شيء.
قالت «لا شيء» برنة خضوع، غرق المكان في الصمت، إذا اشتعلت ذرة واحدة فسوف تلتهم النار كل شيء، لم تجذبها فكرة الموت حرقا، حركت قدميها ناحية الباب، شدت المقبض بذراعيها الاثنتين لم ينفتح، تشرب بالبلولة والتصق بالأرض.
أطفأ الرجل السيجارة في كعب حذائه، ثم أمسك الصحيفة واختفى وراءها، رأت صورة صاحب الجلالة والمانشيت الكبير. «بمناسبة العيد أمر جلالته بغسل تمثال النصر.»
Неизвестная страница