سكب في فمها القطرة الأولى ثم الثانية، أرادت القطرة الثالثة والرابعة، تشبثت بالزجاجة تقبض عليها بأصابعها الخمسة، لكنه شدها منها وخبأها. - لك نقطتان فقط حسب القانون.
أطرقت برأسها، إرهاق أشبه بالاستغراق، كأنما سمعت عن هذا القانون من قبل، وسقطت في النوم، رأت نفسها تستحم في مياه دافئة، السماء زرقاء صافية، والحقول خضراء، في أنفها رائحة الزرع، تجلس فوق الجسر عند الغروب تنتظر ظهور الأضواء.
فتحت عينيها على شيء يحرق تحت الجفن، كانت الغرفة تغرق في الظلمة، ضوء خافت ينبعث من ذؤابة متهالكة، وهو جالس في مكانه وراء الصحيفة المفتوحة، قدماه حافيتان فوق البلاط.
أخفت حقيبتها تحت إبطها، سارت تجر قدميها إلى المطبخ، عادت وفي يدها كوب من الشاي الأسود، مد ذراعه وأمسك الكوب دون أن ينطق، وراح فيما يشبه النعاس وهو جالس، كانت الصحيفة متكورة فوق الأرض، فتحتها تقلب الصفحة وراء الصفحة. «امرأة خرجت في إجازة ولم تعد، محظور إيواؤها أو التستر عليها حسب القانون.»
علقت الحقيبة فوق كتفها بلا صوت، شدت الباب بحذر وخرجت، صوت الريح يعوي كصوت الذئاب الجائعة، قدماها تغوصان مع كل خطوة، لا تعرف السائل من اليابس، تتسند على الجدران كما كانت تفعل وهي طفلة، قبل أن تتعلم المشي، خالتها تمسك يدها: «تاتا خطي العتبة. هيلا هوب هيلا. يا ستنا الطاهرة.»
وهي طفلة لم تعرف من هي الست الطاهرة، ربما كانت مريم العذراء، في ظلمة الليل كانت روحها ترفرف أحيانا فوق أسطح القرية، فيعود البصر إلى بعض العيون العمياء، وتدب الحركة في بعض السيقان الكسيحة، أو ربما كانت هي السيدة زينب، الوحيدة من الأنبياء القادرة على شفاء خالتها من الوجع. - ماذا تقولين؟ - سأكون نبية؛ لأشفي الناس من الأمراض. - هل فقدت عقلك؟ لا يوجد بين الأنبياء امرأة واحدة!
صوته كان يرن في أذنيها واضحا، يبدد أحلامها، صوت رجل، ربما هو زوجها أو رئيسها في العمل، في امتحان الدخول كان جالسا وراء مكتبه.
بين شفتيه الغليون الأسود يهتز وهو يسألها السؤال وراء السؤال: ماذا تعرفين عن «نمو» إلهة المياه الأولى؟ - نمو؟ - و«إنانا» إلهة الطبيعة والخصب؟ - إنانا؟ - و«سخمت» إلهة الموت؟
لم تكن تعرف أن هناك شيئا اسمه إلهات، الأنبياء جميعهم رجال وليس بينهم امرأة واحدة، كيف إذن يكون بين الآلهة إناث؟! وأيهما أعلى درجة، النبي أو الإله؟ أما إله الموت فقد كان اسمه عزرائيل بالمذكر وليس سخمت بالمؤنث.
تحت ضوء اللمبة كانت تقرأ، وهو جالس في مكانه المعتاد، يختفي نصفه الأعلى وراء الصحيفة. - أتقرئين؟
Неизвестная страница