كانت تتبعه فوق كتفها حزام الحقيبة، تمسكه بأصابعها كأنما يحميها من السقوط، في يدها الثانية الإزميل، ينتفض بانتفاضة جسمها ويبدو في الظلمة كأنما هو ينتفض وحده.
انحدر الطريق وازدادت الأرض سيولة، الرائحة النفاذة تشتد، قدماها تغوصان حتى الركبتين، شمر الرجل جلبابه وربطه حول وسطه، ثم قفز داخل مركب، قفزت وراءه فاهتز المركب، كادت تسقط لولا حركة من ذراعها استعادت بها توازنها.
بدا لها المشهد طبيعيا، لولا الرائحة النفاذة، الذرات السوداء المتطايرة تدخل أنفها وأذنيها، وتلتصق بزوايا جفونها، الظلمة تتراكم أمام عينيها كالتلال، والصمت، إلا صوت المجداف يخبط في بحر أسود لا نهائي.
بدأ الرجل يدعك عينيه وهو يغني:
يا واهب الحياة
يا قابض الروح
ارحمنا من الطوفان
يا مفرج الكرب.
عيناه وهو يغني شاخصتان نحو الأفق، يحك زاوية عينه بطرف أصبعه ثم يقرب أصبعه من عينه، يتأمله طويلا قبل أن يمسحه في جلبابه، ثم بدأ يهرش ظهره وتحت الإبط وما بين الفخذين، صوت غنائه يسري في الليل حزينا، إلا في لحظات متقطعة، حين ينتفض كأنما بلذة مفاجئة.
أوقف المركب عند كتلة من الظلام تشبه الجدار، انحنى باتجاه الظلمة، تنحنح بصوت عال معلنا عن مجيئه، لم يسمع إلا نباح كلب، صاح وهو يدق على الباب: «افتح يا أخي.»
Неизвестная страница