وكانت ليوني شديدة الإيمان بالدين، وكانت تعتقد أنه لا يغسلها من خطيئتها الماضية سوى عقد كنسي يعقد بينها وبين حبيبها، محوطا بجميع ما في الدين والكنيسة من الروعة والهيبة والوقار.
وكان جامبتا في ذلك الوقت يعارض الكنيسة، ويدعو إلى فصلها عن الدولة، فطلب أن تتزوج منه أولا زواجا مدنيا، ولكنها رفضت هذا بتاتا، ولكيلا يقوم عليه خصومه، ويعيرونه بزواج كاثوليكي من جهة، ولكي يرضي ضمير حبيبته، اتفق كلاهما على هذه الخطبة الكاثوليكية.
وعند الكاثوليك نوعان من الخطبة، إحداها عادية لا تجيز بين الخطيبين أية علاقة زوجية، والأخرى تجيز هذه العلاقة . وقبل جامبتا أن تعقد هذه الخطبة الأخيرة بينهما، وذلك بعد أن حصل من حبيبته على وعد بأن تتزوج منه زواجا رسميا عندما يترك الحياة السياسية.
وتمت الخطبة، واستأجرت ليوني بيتا منعكفا، وصارت تلتقي بحبيبها في الأماكن التي يقل غشيان الناس لها، دون أن يزورها جامبتا في منزلها. وبقيت على ذلك مدة طويلة، لا يدري أحد من خصوم جامبتا بعلاقتها به.
وعاشت على ذلك طول مدة اشتغاله بالسياسة، مضحية بهناء الزواج، وشرف علنيته، مؤثرة أن تكون علاقتها سرية، حتى لا ينال جامبتا شيء من عار تاريخها الماضي.
وكان جامبتا يسرف في إنفاق قوته في الحب والسياسة، وقد قال فيه مرة عدوه اللدود بسمارك: «إنه هو الوحيد الذي يفكر في الانتقام من ألمانيا، وهو أكبر من يهدد ألمانيا من الساسة الفرنسيين، ولكنه لحسن الحظ لن يعيش كثيرا. ولست ألقي هذا القول جزافا، فإني أعرف من التقارير السرية التي ترسل إلي معيشة هذا الرجل كما أعرف عاداته؛ فهو يجهد نفسه أكثر مما يتحمل، لا يستريح في الليل أو في النهار. وجميع من عاش هذه العيشة من الساسة ماتوا صغارا. ويجب على رجل السياسة، لكي يخدم أمته حق الخدمة أن يتزوج امرأة دميمة، وأن يكون له أولاد كسائر الناس، وأن يكون له مسكن ريفي يستطيع أن يعيش فيه كما يعيش الفلاحون، ويذهب إليه من وقت لآخر للراحة.»
وكان نظر بسمارك صادقا في جامبتا؛ فقد حدث أنه هزم في البرلمان في سنة 1882، فاعتزل السياسة، وعزم على أن يقترن بليوني، ويعيش معها سائر حياته، مغتبطا بالحياة المنزلية التي لم يتمتع بها للآن، ورضيت ليوني بالزواج الآن، وصارت تنتظر اليوم الذي يعقد فيه لكي يعيشا معا بلا حياء أمام الجمهور.
وبحث جامبتا عن منزل في الريف لكي يكون مسكنهما، ولم يكن يملك من المال بعد طول هذا الجهاد السياسي، وعظيم ما أبلاه في سبيل وطنه، سوى نحو خمسمائة جنيه، وذلك على الرغم من الملايين التي مرت في يديه، وكان ينفقها بلا حساب على الجيوش والأساطيل وغيرها، فاشترى بهذا المبلغ منزلا كان يسكنه القصصي الشهير بلزاك وأخبر حبيبته بذلك، واستعد كلاهما للانتقال إليه.
وبينما هو في ذلك، وإذا بإشاعة غريبة قد انتشرت في باريس، مؤداها أن جامبتا قد قتل، فبعض يقول إن أحد الفوضويين قد حاول قتله، وآخرون يقولون بل هو انتحر.
واتضحت الحقيقة بعد قليل؛ فإن جامبتا وهو يتهيأ للانتقال إلى منزله الجديد في الريف، كان ينظف مسدسا، فغفل عن رصاصة كانت موجودة به، فبينما هو يقلبه ويشد زنده، وإذا بالرصاصة قد انطلقت وخرقت كفه، ولم يكن الجرح مميتا، ولكن بسمارك كان صادق النظر؛ فإن جامبتا كان قد ضعف من الإفراط في تحميل جسمه ما لا يتحمل، حتى صار مثل هذا الجرح الذي يبرأ منه غيره في أيام، خطرا كبيرا؛ فإنه تقيح، وأحدث حمى شديدة، مات منها جامبتا.
Неизвестная страница