119

ونحن نكاد نجهل كل شيء عن حياة هلدرلين في «بوردو». وكل ما نعلمه أنه نزل في بيت القنصل الألماني «دانييل كرستوف ماير» الذي كان يتاجر في النبيذ إلى جانب عمله الرسمي .. وكان رجلا أنيقا ذكيا، يعيش في بيت فخم بني على الطراز الكلاسيكي. وقد كتب هلدرلين إلى أمه عن هذا البيت فقال إنه يعيش فيه عيشة بالغة الأبهة والفخامة، ويتمنى لو كانت حياته أكثر بساطة وهدوءا .. ولا بد أنه استمتع مع ذلك بالطبيعة الحالمة التي كانت تحيط به، فعبر عن ذلك في قصيدته المشهورة «ذكرى» التي تزخر بذكرياته على ضفاف الجارون وبين حدائق «بوردو» وغاباتها. ولا بد من قراءة هذه القصيدة لنستطيع الإلمام بتفاصيل البيئة التي عاش فيها الشاعر وعرض مشاهدها وانطباعاتها في نفسه كما يعرض طفل مجموعة من الصور التي تسجل ألعابه الحلوة البريئة:

تهب ريح الشمال،

أحب الرياح إلى نفسي؛

لأنها تعد الملاحين

بالروح المشبوبة والرحلة الطيبة.

لكن اذهب الآن،

وحي «الجارون» الجميل،

وحدائق بوردو،

هناك حيث يمتد الطريق

على الشاطئ الوعر،

Неизвестная страница