Зеленая лошадь умирает на асфальтовых улицах
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
Жанры
وفي لحظة كان صوته القوي المرح ينادي على التاكسي، وفي لحظة كان قد انطلق بهما وعبر الميدان في طريقه إلى شارع رمسيس.
مضى الأستاذ سعيد يتحدث بغير انقطاع، كان صوته الممتلئ الوديع يتدفق في أذنيها، فتحس بالاطمئنان الذي يكاد أن يبعث فيها الرغبة في النوم.
راحت تنظر إليه بين حين وحين وذهنها شارد عنه؛ ربما لتثبت له أنها تتابع كلامه الذي يتنقل بسرعة من التمثال إلى رخص الأوكازيون، إلى مشكلة المواصلات إلى الحرب في فيتنام، ولاحظت بارتياح أن السائق التقط الخيط منه، واستغرق معه في حديث خطير عن غلاء المعيشة والخنافس وواجب استعمال العصا في المدارس؛ أما هي فلم تعرف في أي شيء تفكر على وجه التحديد؟ كانت صورة الشحاذ المتشنج اليدين تصدم وجهها باستمرار! بل إن وجهه المجدور الذابل كان كثيرا ما يتداخل هو ووجه زوجها الأبيض الناعم، والعينان المغمضتان تهتزان أمامها وتقفزان من زجاج النافذة ومصابيح الشارع ورءوس الأشجار وأعمدة البيوت.
وكما تتداخل صورة المرئيات وصور الشحاذ، تداخلت الأفكار وراحت تتشكل لها وجوها وعيونا وألسنة طويلة وأيادي تمسك برقبتها أو تصفعها على خديها! حاولت أن تبعدها بالتفكير في مشكلة الزحام، وطاف بعقلها دون سبب اسم مالتس ونظريته التي أخذتها في الجامعة، وتحاول الآن عبثا أن تتذكر صيغتها التي كانت تحفظها عن ظهر قلب، وهمت أن تسأل زوجها لولا أن وجدت صورة الشحاذ تصدم وجهها بشدة، فرفعت يديها تغطيه بسرعة؛ مما جعل زوجها يلتفت إليها ويسألها جزعا عن حالها، فأجابت في هدوء: لا شيء يا حبيبي، صداع بسيط.
كانت تراه في كل صباح، هناك منذ عشر سنوات أو تزيد، على محطة الأوتوبيس الذي كانت تركبه إلى الجامعة، لم يعد لديها شك في ذلك، لم يعد لديها أدنى شك فيه، بالطبع لم تسأل نفسها عنه في الأيام ولا الأشهر الأولى، ولا حاولت أن تفكر لحظة واحدة فيه. كان يقف بقامته القصيرة، وهيئته الرثة، وشعر رأسه المهوش الذي يسقط على أذنيه وينعقد ككومات من الطين المتناثر على رأسه وقفاه! ولم يكن يسترعي انتباهها منه في البداية سوى كومة الأوراق التي كان يحملها تحت إبطه في معظم الأحيان.
لم يكن منظره منظر طالب، ولا كانت هيئته أو سنه أو حتى مجموعة اللفائف التي في يده تسمح بهذا الظن، ولا بد أنها كانت تبتسم في سرها لمنظره، وربما تعلمت مع الزمن أن تتعجب لقذارته المزمنة (التي لم تكن فيما يبدو متعمدة؛ بل عن بؤس أكيد)، وترثي لحاله في النهاية، وتسأل نفسها إن كان له أهل في هذه الدنيا، وأين يأكل وينام ويعيش؟
ويظهر أن بائعة الجرائد العجوز لاحظت أن اهتمامها به يتزايد مع مرور الأيام، فكان أن غمزت لها بعينها وهي تشتري منها إحدى المجلات النسائية قائلة: أصله شاعر.
سألتها باستخفاف: قرأت له؟
قالت البائعة وهي تشوح بذراعها: الله يسترك، ما ناقص إلا الشعر!
سألتها في يوم آخر: من أين عرفت أنه شاعر؟
Неизвестная страница