وجدير بنا في هذا الموضع من سياق الحديث، أن نشير إلى مفارقة في حياتنا تلفت النظر وتثير السؤال، وهي أننا قد ننظر إلى أنفسنا من زاوية معينة، فإذا هي إما قد نالت حظا موفورا من أسباب الحضارة العصرية مما كانت له انعكاساته الواضحة على حياتنا الثقافية الراهنة، فالتعليم قد اتسعت دوائره من أسفل درجاته إلى أعلاها، فالأمية تنحسر، والجامعات تعد اليوم بالعشرات، وانتشر على أرضنا مئات الألوف ممن تخرجوا في تلك الجامعات، في كل فرع من فروع العلم، فنهضوا بتعمير بلادنا على أحدث ما عرفته حضارة اليوم، وأقاموا من المنشآت الهندسية وغير الهندسية ما جعلنا - من الناحية العلمية - نواكب العصر في تقدمه، وقد أدخلنا في حياتنا من النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة ما تطور به مظهر حياتنا تطورا ملحوظا، ودخلت أجهزة العصر كل بيت، حتى لقد أصبحنا نتندر بأن يقتني الفلاح البسيط في القرى والكفور والنجوع أنواعا من هذه الأجهزة، كالتليفزيون، والفيديو، والراديو، والثلاجة وغيرها، تغيرت بها حياته تغيرا لم نكن نتوقع حدوثه بهذه السرعة، وننظر في حياتنا العلمية والفنية والأدبية فنرى العلماء، الذين نفخر بهم، قد انتشروا في سائر أقطار العالم المتقدم نفسه، ومنهم من بقي في وطنه شعلة تضيء حتى يبلغ ضياؤها أحيانا أبصار الدنيا، ومن مواطنينا من أبدعوا أدبا ومن أبدعوا فنا ترددت أصداؤه على نطاق واسع، وهكذا نستطيع أن ننظر إلى أمتنا من هذه الناحية، فنرى فيها ما يبعث على الرضى، لكن غير زاوية النظر، وابحث عن القدرة الابتكارية فلن تجد ما يستحق إلا قليلا من ذلك الرضى، فحياتنا الحضارية والثقافية معظمها منقولة إما من موروثنا عن السلف، وإما مما أنتجه الغرب في عصره الحديث، أو في مرحلة ماضية من تاريخه منذ عصر اليونان، وإننا لندعي الفخر بما ليس لنا الحق فيه، برغم دخوله في حياتنا العملية وانتفاعنا به، لكن هذا الجانب شيء، وعظمة الابتكار الأصيل شيء آخر، وعلى هذا الضوء عد بالنظر إلى حياتنا الحضارية والثقافية مرة أخرى تجد ما يثير القلق من حيث القصور في إبداعنا شيئا يأخذه عنا الآخرون، وتجاهلنا للفرق البعيد بين المبتكر من جهة، والناقلين عنه ابتكاره من جهة أخرى، هو الذي أحدث لنا تلك المفارقة، بحيث اختلط علينا الأمر، فلا ندري أنعد من الأمم التي تقدمت بمعايير هذا العصر، أم نعد من الأمم التي تخلفت؟
وسواء أرأينا في صاحبنا أنه أخطأ الرأي، أم رأينا في رأيه الصواب فهو ممن يجعلون القدرة الابتكارية معيار الحكم في تقدم الأمم أو تخلفها، على أن نفهم «الابتكار» فهما قائما على تأثيره في تشكيل الحياة العامة تشكيلا يعمل على رؤية مستقبلية يتقدم بها الإنسان نحو ما هو أسمى وأقوى وأعلم وأصح بدنا ونفسا، وإلا فقد يمسك الطفل بقلم يجريه على الورق كما اتفق فينتج له من ذلك «تشكيل» مبتكر لا سابق له، ولن يكون له لاحق، فإذا جعلنا القدرة الابتكارية البناءة والدافعة إلى الأمام، معيار الحكم على حياتنا في هذا العصر الذي نعيش فيه، تعذر أن نجد ما نفاخر به، ولعلنا نحس بذلك في أعماق قلوبنا فتأخذنا العزة بالإثم ونهاجم أصحاب الحضارة الجديدة ومبدعيها، متهمين إياهم ب «المادية» التي لا تهتدي بالدين ولا تنضبط بالأخلاق، مما ينشأ عنه خداع للنفس، وعجز عن السير مع السائرين.
وعملا بالحكمة القائلة إن من يضيء شمعة خير ممن يلعن الظلام دون أن يعمل على تبديده، بدأ صاحبنا يكتب من المنبر العالي الذي أتاحته له الظروف، وأعني منبر جريدة الأهرام، وواصل الكتابة حتى هذه الساعة، وكان أول ما كتبه في هذه المرحلة الأخيرة، مؤشرا واضحا على خط تفكيره، فكانت مقالته الأولى بعنوان «ليس إيمان الدراويش» وكانت الثانية بعنوان «من الكلامولوجيا إلى التكنولوجيا» ثم توالت الصيحات على هذا الغرار، وإذا تأملنا هذين العنوانين وحدهما وجدنا فيهما ما يدل على وجهة نظر كاملة شاملة، فنحن كلما أدركنا قصورنا الحضاري الثقافي - بمعيار الابتكار - لجأنا إلى حيلة دفاعية، توهمنا بأنه إذا كان قد فاتنا اللحاق بموكب الحضارة القائمة على العلم والصناعة في صورتهما الحديثة ، فنحن ننعم بإيمان ديني لا ينعم بمثله بناة تلك الحضارة، وهو ادعاء ينقض نفسه بنفسه؛ لأننا لو كنا حقا قد تشربنا الدين الذي نؤمن به، لوجب علينا بحكم هذا الدين نفسه أن نسبق الدنيا في إقامة هذه الحضارة القائمة على كشوف العلم وما ينبني عليها؛ لأن الإسلام دين يحض على العلم بأي معنى فهمنا كلمة «علم»، فإذا كان العلم الذي بنيت عليه حضارة عصرنا هو - أساسا - العلم بقوانين الطبيعة، فذلك هو ما دعانا إليه القرآن الكريم كلما دعانا إلى تدبر خلق الله، فخلق الله هو هذا الكون بشتى كائناته وظواهره، وتدبر هذه الكائنات والظواهر لا يعني النظر إليها نظرة المتفرج، بل يعني تعمقها ما وسعنا أن نتعمقها إلى أن «نعلم» شيئا عن أسس سلوكها، أو عن قوانين انتظامها! وذلك هو صميم النشاط العلمي وما ينطوي عليه، فإذا أمرنا بآيات من الكتاب الكريم أن ننظر إلى الإبل كيف خلقت، أو إلى السحب كيف تتجمع لتنزل ماءها إلى أرضن فتحييها بما تنبته من نبات، فأين ينتهي بنا النظر إلى حيوان أو إلى نبات إلا أن ينتهي بمعرفة تتفاوت درجاتها تبعا لقدراتنا، إلى أن تصل إلى درجة «العلم» بالحيوان أو «العلم» بالنبات، وقل هذا عن كل كائن أو ظاهرة مما يجب علينا بحكم الدين أن نتناوله بالنظر، لكن ما هكذا نفعل ونفهم، وتشيع بيننا الفكرة بأن قراءة آيات الكتاب الكريم وحفظها وترتيلها يكفي ليكتمل لنا إيمان بالدين، فجاءت المقالة الأولى «ليس إيمان الدراويش» لتلفت الأنظار إلى الإيمان الديني بمعناه الذي يحض على البحث العلمي في ظواهر الكون، كل بقدر موهبته، فإذا انحصرت موهبه البحث العلمي المنتج في قلة من القادرين كانت هذه الفئة القليلة بمثابة من يؤدي عنا فريضة العلم بطبائع الأشياء.
وجاءت المقالة الثانية «من الكلامولوجيا إلى التكنولوجيا» صيحة تضاف إلى الصيحة الأولى، فليس ثمة من شك في أن النقلة الحضارية التي وضعت الناس في عصرهم هذا هي في حقيقتها نقلة من حضارة سادتها براعة «الكلمة» إلى حضارة أخرى أرادت أن تجعل من «الآلة» (أو الجهاز) موضع براعتها، ولسنا نسوق هذا الكلام على سبيل المفاضلة بين ما هو أعلى وما هو أدنى، كلا وألف مرة كلا، بل إن الأمر أمر تعاقب في أطوار التاريخ، بحيث تأتي المرحلة اللاحقة لتضيف - وليس لتمحو - إلى المرحلة السابقة، وقد كانت الأولوية فيما مضى لما يبنى على كلمات أو يشبه الكلمات من رموز، فبالكلمات تصاغ مبادئ الأخلاق، بل وبالكلمات نزلت رسالات الأديان وحيا من السماء، وبالكلمات تكلم الإنسان، فكان هذا «النطق» أبرز فاصل ميزه من سائر الحيوان، فالنطق بالكلمات مرتبة في صيغ هو «تفكير» أو «عاطفة» أو كائنة ما كانت عناصر الفطرة البشرية، والعلوم الرياضية كلها قائمة على رموز، كالأعداد أو أحرف الهجاء والأشكال التي نراها في علم الهندسة، وأرجو ألا يفوتك هنا أن عصور التاريخ - قبل عصرنا الحديث - لم تكد تعرف من «العلم» إلا ما هو متصل بالفكر الرياضي بكلماته ورموزه وأشكاله، وأما العلم الطبيعي القائم على أجهزة وآلات، على نحو ما نراه اليوم، فهو صنيعة عصرنا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، وذلك لا يعني - كما هو واضح - أننا قد ألقينا في اليم بالكلمات والرموز وما يبنى عليهما، فما زلنا نتبادل الأحاديث، ونكتب على الورق، وننشئ الأدب، ونخطب في المحافل، وأما الذي استحدث إضافة إلى هذا كله، فهو العلم في صورته التكنولوجية الجديدة، فإذا أرادت أمة أن تدخل عصرها هذا فباب الدخول لن ينفتح بالكلمات وحدها، بل لا بد له من ابتكار التقنيات (التكنولوجيا) التي يقيم بها الإنسان حياته العلمية كلما بحث في ظواهر الكون ليكشف عن سرها، فيسخرها لخدمته.
إنه لو كان لعصرنا ملمح واحد يميزه من كل ما سبقه من عصور فربما كان ذلك هو إصراره على غزو الطبيعة، وهو ضرب من الغزو اختلف به عن شهوات الغزو التي شهدها تاريخ الإنسان، فقد كان الغازي يستهدف بغزوته إنسانا مثله، إما من مواطنيه بأن يملك رقابهم عبيدا أو كالعبيد، وإما أن يجاوز حدود وطنه ليغزو أرضا أخرى وأهلها، وقد يكون شيئا من شهوات الماضي ما زال عالقا بأهداف الحياة في زماننا، لكن السائد الغالب على خيال القادرين اليوم، هو أن تتحول شهوة الغزو نحو الطبيعة فيحكمها قبل أن تحكمه، وذلك هو منحى العلم الحديث وتقنياته، وانظر إلى الصواريخ الجبارة التي تشق أجواز السماء، إنها لم تقف عند حدود القمر تنزل إلى ترابه، تأتي بعينات من صخوره ومعادنه بل جاوزت ذلك لتوغل كوكب المريخ وكوكب الزهرة بل وربما خرج صاروخ منها إلى ما وراء المجموعة الشمسية بأسرها، وأرجوك أن تتذكر رحلة قام بها كرستوفر كولمبس، فعبر المحيط الأطلنطي - وكان يطلق عليه فيما قبل بحر الظلمات - ووصل إلى أرض ظنها جزر الهند، وإذا بها قارة جديدة لم يكن للناس في العالم القديم علم بها، هي القارة التي نعرفها اليوم باسم «أمريكا» أقول: تذكر تلك الرحلة الواحدة كيف تسلسلت نتائجها حتى وصلت إلى ما نحن فيه اليوم من حضارة جديدة تقوم على علم جديد، يمكن القول بأنها حضارة ابتكرها من هاجروا إلى أمريكا من أهل العالم القديم، وقد أشعلت في رءوسهم ظروف المهجر الفسيح الغني بموارده روح الابتكار والمغامرة والأمل في مستقبل يتغير فيه وجه الحياة، فكان ما كان وأصبحت هذه الصفات من صميم روح العصر، وإذا كانت هذه كلها نتائج رحلة بحرية فوق كوكبنا، فماذا عسى أن ينتج لنا من رحلات الغزو الكوني الجديد؟ إلا أن ذلك غيب لا يعلمه إلا علام الغيوب.
ولعل من أخطر ما يغيب عنا إدراكه إدراكا واضحا، أن تلك الوثبة العلمية القوية الجبارة تعود إلى الإنسان وهو يقهر الطبيعة على هذه الصورة القادرة الظافرة - برغم كل نتائجها السلبية - بضرب من الحرية لم يكن معهودا ولا مألوفا، فلقد مرت عصور لم تكن الحرية فيها تعني أكثر من الجانب المقابل للرق، فالإنسان عندئذ إما أن يكون من فئة الأحرار وإما أن يكون من فئة الرقيق يشترى في الأسواق ويباع، ثم اتسع المعنى ليشمل حرية الإرادة في اختيارها للفعل، وهي حرية كان يقابلها مذهب الجبرية الذي ينفي أن تكون للإنسان القدرة على الاختيار إذ هو مجبر على أن يسير وفق ما قدر له بمشيئة إلهية، لكن «الحرية» شأنها في ذلك شأن الأفكار الكبرى أخذت تتسع في معانيها مع النمو الحضاري، فنشأت الحرية بمعناها السياسي، وبمعانيها في الأدب والفن والاقتصاد والتعليم وغير ذلك، ثم نشأت الحرية بمعانيها الاجتماعية في العلاقة بين صاحب العمل والعامل، أو قل بصفة عامة بين الأفراد والفئات في تعاملهم بعض مع بعض في مجتمع واحد، لكن هذه المعاني كلها لا تشمل هذا الضرب الجديد من الحرية بصورة واضحة ومباشرة، وأعني تلك الحرية التي يكسبها الإنسان في أي مجال «يعلم» الإنسان ما يعلمه، وبقدر علمه في ذلك المجال تكون قدرته على تسخيره لصالحه، فمن يزداد علما بظاهرة الضوء يمكنه استخدام الضوء، فيعرف كيف ينقل الصورة الضوئية عبر مسافات بعيدة، كالذي يحدث في الإرسال التليفزيوني، والأمثلة على تزايد قدرة الإنسان بتزايد علمه بطبائع الأشياء أكثر من أن يغيب أمرها عن أي قارئ، ومع ذلك فنحن بحاجة إلى تذكيره بأن شعوب العالم الثالث بعد أن نالت حريتها السياسية من مستعمريها لم تصبح حرة، وظلت في قبضة هؤلاء المستعمرين أنفسهم، وذلك في مجال «العلم» والصناعة وكل ما يتصل بهذا المجال، ففي هذا لا تزال شعوب العالم الثالث تعتمد في ضرورات حياتها إلى علم ينعم به عليها هؤلاء المستعمرون، فإن شاءوا أمدوهم بآلات المصانع، وأسلحة الحرب ووسائل المواصلات وأجهزة الاتصال إلخ إلخ، وإن شاءوا أمسكوا عن العطاء فهم وحدهم الأحرار حقا بما يعلمون وما يصنعون، ونحن الأتباع حقا بما نعجز عن علمه وصناعته.
وتتصل بالحرية التي يتيحها للإنسان مقدار «علمه» بقوانين الظواهر الطبيعية - بل وكذلك علمه بالطبيعة البشرية وقوانينها كما يستخرجها علم النفس وغيره من مجموعة العلوم الإنسانية - حرية أخرى لم يتنبه إليها أحد تقريبا بما يستحق من عناية واهتمام، إلا في عصرنا هذا، لا أقول «الحديث» بل «الأحدث»، أعني ما ينتج عن إحاطة الإنسان ب «المعلومات» الوافية الخاصة بالموضوع الذي يحدث أن يكون مطروحا ليتخذ فيه القرار الأصوب، فها هنا كذلك يكون الإنسان أكثر حرية في قراراته وتصرفاته فيما يعرض له من مشكلات حياته، بمقدار ما يبني قراره وسلوكه على «معلومات» صحيحة (المعلومات شيء غير العلم)، نعم كان جمع المعلومات عن الموضوع الذي يتطلب قرارا ليس بجديد كل الجدة، فطبيعي حتى بالنسبة إلى إنسان العصر الحجري أن يجمع ما استطاع من معلومات يسترشد بها، قبل خروجه للصيد أو للقتال أو غير ذلك من شئون حياته، لكن مدى تصور الإنسان في الإحاطة بما يجب ان يحاط به كان أكبر من أن يجد الإنسان بين يديه ما يسعفه ويرشده فما هو مقبل على عمله، وأما في عصرنا هذا، عصر الحاسبات الإلكترونية، حيث يمكن تعبئة «المعلومات» بملايين الملايين، ثم استرجاع ما هو مطلوب منها في عشر معشار الثانية، فالأمر قد اختلف اختلافا يبيح لنا أن نقول إنه بمثابة البعد الجديد يضاف إلى غيره من الأبعاد التي تميز هذا العصر، ويبرر اقتراح من اقترح أن يسمي عصرنا هذا بعصر المعلومات، والحق أن المقارنة بين شعوب واعية وشعوب ينقصها الوعي في مرحلتنا الزمنية الراهنة تبين في جلاء أن الفرق بين الحالتين هو فرق بين جمهور «يعرف» وجمهور «لا يعرف»، وهل يحق لنا أن نعجب لماذا تكثر الحكومات الدكتاتورية وتتضاءل الحريات برغم دوران اسمها على الألسنة والأقلام، وكأنها قائمة بالفعل في أقطار العالم الثالث؟ إنه لا عجب، فبينما يتعذر على مستبد أن يخدع جمهورا «يعرف» بما قد تجمع له من «معلومات» ترى ذلك أمرا أهون من الهين في جمهور قلت معلوماته حتى بات «لا يعرف» ما يضيء له ظلام الطريق.
ولا يقتصر فساد الموازين نتيجة لافتقار الجمهور إلى معلومات يستنير بها، على مجال الحكم والسياسة، بل إن الضرر ليتسع حتى يكاد يشمل الحياة العلمية والثقافية بأسرها، فعندنا وعند أمثالنا ممن ضحلت معلوماتهم الصحيحة فقل وعيهم بنفس المقدار، تكثر عملقة الأقزام، إذ ليس على القزم الطموح برغم جهله وقصوره إلا أن يستخدم وسائل الإعلام لصالحه، فما أسرع ما يتحول في خيال الجماهير، وفي وهم الحاكمين، إلى عملاق حتى يستطيع أن يكون عالما بغير علم، أديبا بلا أدب، أي شيء بغير شيء، وتتصل بعملقة الأقزام عملية أخرى قد تستوجبها الظروف فيلجأ إليها القزم الطموح، وهي عملية يجوز تسميتها - كما أسماها صاحبنا ذات يوم فيما كتب - «قرصنة في بحر الثقافة» وكذلك يفعل قراصنة الثقافة في حياتنا، فليس المهم عند أحدهم أن يقوم هو بالعمل، بل المهم هو أن يضع عليه اسمه اغتصابا، ولو كان في حياتنا وعي نقدي لأتاحوا للرأي العام أن يميز الطيب من الخبيث.
همومنا الحضارية والثقافية كثيرة وكذلك منجزاتنا وأمجادنا كثيرة، فكيف السبيل إلى جمع عناصر القوة في كياننا ورؤانا، مع التخلص من عوامل الضعف في ذلك الكيان وهذه الرؤى لينشأ لنا العربي العصري الجديد؟ هذا هو السؤال الذي حاول صاحبنا بكل حياته الفكرية أن يجد له الجواب.
Неизвестная страница