Геродот: Очень короткое введение
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
نوه الصحفي ستيفن شيف ذات مرة قائلا : «في قلب التاريخ الجيد، يوجد سر صغير ماكر، وهو الحكي الجيد.» ومما يجعل هيرودوت يأسر قراءه أنه كان حكاء من الطراز الأول؛ فسرده الطويل، والذي ربما سماه الإغريق لوجوس (بمعنى حكاية)، يتألف من حكايات قصيرة كثيرة موصول إحداها بالأخرى، بعضها طوله بضع مئات من الكلمات، وبعضها بضعة آلاف، وليست كلها دائما في ترتيب تاريخي دقيق، حيث تتدفق وتنحسر وتستدير راجعة كنهر يثير مساره الحيرة والبهجة على الدوام. إن مصنف هيرودوت صعب، وتمثل الحكايات أجناسا مختلفة تماما من أجناس الأدب، حيث تتراوح بين محاولات لسبر أغوار التاريخ السياسي لأثينا وإسبرطة، وبين طرف غريبة ذات جذور واضحة في التراث الشعبي أو الحكايات الخرافية، وبعضها له دلالة عميقة في سياق مشروع هيرودوت، وبعضها الآخر ليس كذلك. وأيضا فإن الوتيرة ليست متسقة؛ فالمصنف الذي قسمه الباحثون لاحقا إلى تسعة «كتب» يتجول عبر قرون التاريخ على مدى عدة كتب - عدة مئات من صفحات عصرنا الحديث - ثم يتخذ محور تركيز أضيق كثيرا فيما ينقلنا هيرودوت إلى سنوات الحرب التي سبقت هزيمة خشايارشا.
فما الذي نفعله بعمل معقد طويل وضعه بغير تأن رجل يعشق حكي الحكايات من مصادر مسموعة تتفاوت في موثوقيتها؟ هل يمكننا الاستيثاق من أن هيرودوت ذهب إلى كل الأماكن التي قال إنه ذهب إليها؟ غالبا ما يسعى النقاد المحدثون المعتدلون إلى النأي بأنفسهم عن هيرودوت، بل وفي بعض الأحيان يمضون بعيدا جدا فيحرمونه لقب مؤرخ. لقد جمع هيرودوت - الذي كان على دراية بالخرائط والأشخاص - بين الأرانب البرية وأكلة لحوم البشر والمومياوات والخنازير والأحلام والدعارة والنمل المنقب عن الذهب والملكات الداهيات والنحل، والنساء اللاتي تعرضن للاغتصاب الجماعي حتى الموت، والناس الذين لا يمكنهم حتى النظر إلى حبة باقلاء، وبين بعض التفاهات.
بل والأسوأ من ذلك أن الدين متغلغل في «تاريخ هيرودوت»؛ فعلى الرغم من أن هيرودوت يصور مسار الحرب باعتباره مدفوعا في المقام الأول بأطراف بشرية لديها دوافعها البشرية وشخصياتها البشرية، فإن مصنفه يعج بالوحي الإلهي والنبوءات والتعبيرات الصريحة عن الاعتقاد. ففي أي موضع نضع عملا «تاريخيا» يشتمل على حس ما بالوجود الإلهي في كل معركة كبرى؟
من حسن الحظ - كما تبين - أنه فيما ينسج هيرودوت حكايته أو حكاياته، فإنه يخلق مجالا لا للآلهة فحسب، بل لنا جميعا: لي ولك، نحن جمهوره. وإقحام نفسه في النص باستمرار يبقي على الدوام أمام أعيننا حقيقة أنه شخص عادي يصارع مادة عنيدة، وإن كنا نحن أيضا مدعوين لمصارعتها بالقدر نفسه. وإذ يقحم هيرودوت حوارات في هذا السجل، ويورد ملاحظة شاهد عيان (أو ينكرها)، ويدعي الحجية (أو ينفيها)، فإنه يبدي بوجه عام نحو خمسمائة ملاحظة تقييمية من نوع أو آخر (على غرار: أعرف، أعتقد، أظن، لا أعرف، لا يسعني القول، أخمن، يبدو على الأرجح أو غير محتمل، بلغني لكني لا أعتقد ...) ويضع ثراء هذا المتن الخلاب وغموضه تحديات أمام القارئ تجتذبه. وفيما نقرؤه، نجد أنفسنا منهمكين في حوار مستمر مع ما نقرأ، وكثيرا ما يطرح هيرودوت روايات مختلفة لعدد من الأحداث التاريخية، مؤيدا أحيانا إحداها على الأخرى، وتاركا أحيانا لنا حرية الاختيار.
إن رجلا حكيما كهيرودوت، اجتاحه الأسى على تفشي الحروب، كان سيفهم نقد بيرس وجيبون، على الرغم من أنه لم يكن يمتلك وسيلة يعرف بها أن خلفه سيتمسكون بتصوره لأفرودة الحرب باعتبارها القالب لكتابة التاريخ، لكن يرفضون تضمينه غير المأسوف عليه للنساء. وإجمالا، كان سيصبح أسعد بمقولة درويسن إن «التاريخ هو معرفة الإنسانية نفسها، أو وعي البشرية بذاتها.» إن هذا الصنف الثري والشامل من أصناف التاريخ هو ما يبدو في العمل الذي يسميه البعض «الحروب الفارسية»، ويسميه آخرون - على نحو أكثر ولاء للإغريق - «تاريخ هيرودوت»؛ ألا وهو «البحوث».
الفصل الأول
عالم هيرودوت
تركت المحصلة المذهلة التي تمخضت عنها الحروب الإغريقية الفارسية انطباعا عميقا لدى من كانوا أحياء في ذلك الزمان. ومن المتصور أن هيرودوت تذكر أبويه وقد بلغهما نبأ انتصار الإغريق على خشايارشا في سلاميس سنة 480. وكانت إحدى كبريات أميرات البحر في جيش خشايارشا، وهي أرتميسيا، ملكة على مدينة هاليكارناسوس - موطن هيرودوت - الواقعة على الساحل الأناضولي، حيث يوجد اليوم ميناء بودروم التركي الحديث، وقد قاتلت ببسالة في تلك المعركة. وربما يرتبط افتتان هيرودوت بالسيدات القويات ارتباطا وثيقا بخبرته إبان طفولته بهذه المرأة الجسورة التي قادت سفنا حربية قيادة فعلية، وربما كان مؤرخنا يبلغ من العمر خمس سنوات عندما حدثت المواجهة الأخيرة التي دارت رحاها في ربيع العام التالي في الأناضول نفسها. ومنذ ذلك الحين فصاعدا، ظل انتصار الإغريق المذهل الذي حققه «أعظم جيل» موضوع نقاش مثيرا في العالم الهيليني، وكان شباب الجنود ما زالوا في المتناول لإجراء الحوار معهم عندما بلغ هيرودوت رشده، وكانوا على الأرجح يجدون ما يشبع غرورهم في سؤالهم عن تجاربهم في الحرب، وكانوا متلهفين للحديث، فغالبا ما يعيش الرجال والنساء من جيل ما بعد الحرب هذه الحرب بشكل غير مباشر من خلال أحاديث طاولة الطعام وغيرها من الأحاديث التي يرويها الآباء، والعمات والخالات، والأعمام والأخوال، والأجداد، ممن ينتمون إلى هذا العالم الأقدم من عالمهم. وكان هيرودوت نفسه - وبشكل شبه يقيني - صديقا للكاتب المسرحي سوفوكليس، الذي اختير وهو في سن المراهقة لأداء واجب وطني، وهو قيادة أناشيد الكورال احتفالا بانتصار الإغريق البحري في سلاميس. وفي عام 472، أنتج أسخيلوس مسرحيته «الفرس» التي تدور حول ذلك الانتصار، وكان الرجل الذي بذل المال لتدريب كورس المسرحية هو بركليس، الذي سيصبح أبرز رجل دولة أثيني في زمن هيرودوت. وفي عموم بلدان البحر المتوسط، ظلت الحرب حية على مدى أجيال كلحظة حاسمة في التاريخ. وفيما تقاتل التحالفان الأثيني والإسبرطي، في البداية في حرب غير معلنة استمرت من 460 إلى 446، ثم في الحرب البيلوبونيزية الكبرى بين عامي 431 و404، بقيت ذكريات الوحدة الإغريقية كتذكرة مؤلمة بأزمنة أحسن حالا.
شكل 1-1: هيلين كاري في دور أتوسا، وتد فان جرايثايسن في دور دارا، في نسخة حديثة من مسرحية «الفرس» لأسخيلوس، من إعداد إيلين ماكلافلن، وإخراج إيثان ماكسويني، وإنتاج فرقة شكسبير المسرحية سنة 2006.
1
Неизвестная страница