Геродот: Очень короткое введение
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
1
إن أوجه التباين أساسية لفكرة الإثنوجرافيا؛ فالممارسات المميزة يمكنها المساعدة على تحديد ما يجعل مجتمعا ما فريدا من نوعه، وربما الأهم من هذا كله أن التباينات الشديدة تشكل مادة قصصية رائعة. فالإثنوجرافي كما رأينا ليس مجرد متلصص - على الرغم من أن هيرودوت يتبنى يقينا هذا الدور (وهو دور مثار سخرية بالنظر إلى القيمة المضفاة في حكاية جيجس على قصر المرء نظره على ما يخصه) - بل هو أيضا لديه حب للظهور. فعلى الرغم من البروتوكول المهني الذي يدعو إلى النظر إلى العادات الأجنبية باتزان، من الصعب ألا يصرخ المرء قائلا: «انظر ماذا وجدت! انظر إلى هذا! أليس مدهشا! ليس كأي شيء رأيناه من قبل، أليس كذلك؟» وعند تكليف الطلاب بواجب فيما يخص «أعظم نجاحات هيرودوت»، نجد استعراض هيرودوت للعادات «المقلوبة» في مصر - وهي بلد حتى نهره يتدفق عكس الاتجاه - دائما من بين العناصر المشمولة.
يحدثنا هيرودوت أن معظم الممارسات المصرية هي على العكس مما نجده في كل مكان آخر في العالم؛ فالنساء يشترين ويبعن في الأسواق ، بينما يقر الرجال في البيوت للقيام بأعمال النسج. ويقف النساء ليتبولن، في حين يقعد الرجال القرفصاء. والأبناء غير ملزمين بمساندة أبويهم (على عكس ما كان قانونا في أثينا)، لكن البنات ملزمات بذلك. والإغريق يكتبون من اليسار إلى اليمين، أما المصريون فمن اليمين إلى اليسار، ولا نندهش لقول المصريين إن الإغريق هم من يكتبون بطريقة معكوسة. ويترك الآخرون (ما لم يكونوا متأثرين بالمصريين) الأعضاء التناسلية على حالتها الطبيعية، لكن المصريين يمارسون الختان. وفي الأماكن الأخرى يعفي الكهنة شعورهم، لكن الكهنة المصريين يحلقون رءوسهم. وبين معظم الشعوب الأخرى، يحلق الناس رءوسهم أثناء فترات الحداد، لكن المصريين يعفون شعور رءوسهم ولحاهم (أبدى هيرودوت اهتماما ملحوظا بالشعر، فيقول لنا إن البابليين يعفون شعورهم ويلفون رءوسهم بعمائم، وسكان شبه الجزيرة العربية يقصون شعورهم من كل الجوانب على شكل دائرة، حالقين أصداغهم، ويقولون إنهم يحاكون ديونيسوس، والمكاي يحلقون شعورهم تاركين منها خصلة، فيعفون الشعر في المنتصف لكن يحلقونه على الجوانب).
إن الصورة التي يعرضها هيرودوت للمصريين فيها حتما مبالغة، ونظن أن بعض رواته لم يكونوا صادقين معه؛ فلم يكن النساء باعة التجزئة الوحيدين في الأسر المصرية، ولم يكن الختان يمارس بلا استثناء بين المصريين، وكان الإغريق ومثلهم المصريون يتبولون ويتبرزون في الداخل. لكن تصميم هيرودوت على وجه التحديد على إبراز هذه المقابلات هو الذي يبدي التزامه بالكشف عن التنوع الثقافي الملحوظ للمجتمع الإنساني وإطلاع جمهوره عليه. وليس كل من استلهموا من عمل هيرودوت للبحث عن هذا التنوع اشتركوا معه في حماسه، فقد استلهم الكاتب والفنان جيمس فوربز، المولود في لندن سنة 1749 والمقيم في الهند من 1765 إلى 1784، من عمل هيرودوت، وبين أوجه الشبه بين طقوس التطهر لدى البراهميين والمصريين القدماء، لكنه اختلف اختلافا ملحوظا عن هيرودوت في المنظور، حيث أطلق نداء سنة 1810 موجها إلى الهندوس لاعتناق المسيحية.
ويعد بيان الاختلافات بين الإغريق وغير الإغريق جزءا محوريا من أجندة هيرودوت، ومع ذلك فإن أوجه التباين وأوجه الشبه الكثيرة التي يحكي عن تفاصيلها توضح أنه لا يرى العالم مقسوما بأي حال إلى إغريقي وآخر. ولعل المثال الأشد إثارة للدهشة يأتينا في غزو دارا الفاشل لسكيثيا في الكتاب الرابع، وهي المناسبة التي يورد فيها هيرودوت وصفه الطويل للتاريخ والعادات السكيثية؛ لأن الفرس الغزاة يبدون، مقارنة بالسكيث، طبيعيين تماما؛ وأعني الفرس أنفسهم الذين يراهم الإغريق شعبا غريبا يرتدي ملابس غريبة، وقد تنعم بفضل الثروة ولا يجد مشكلة في نظام حكم سخيف يجعل أمة بأكملها عبيدا وإماء لملك متقلب الأهواء على الأرجح. لكن هؤلاء الفرس أنفسهم لديهم بيوت ثابتة، ويبنون المدن، ويزرعون المحاصيل، أما السكيث فبدو، شعب فقير، دائم التنقل في عربات يتخذونها بديلا عن المنازل، وحركتهم الدائمة تشتت دارا؛ لأنه لا يستطيع إجبارهم على خوض معركة، ويضطر في نهاية المطاف إلى العودة إلى الديار خالي الوفاض. حسنا، ليس خاليا تماما، إذ تمكن من فتح تراقيا، وهي منطقة مفيدة كجدار واق لشن أي غزو لأوروبا، لكنه وقف أمام سكيثيا عاجزا؛ فمجرد افتقار السكيث إلى أساليب «متحضرة» يجعل هزيمتهم أمرا مستحيلا. وهم محيرون حتى في طرق تواصلهم؛ إذ يبعثون إلى الملك بهدية تتألف من طائر وفأر وضفدع وخمس سهام، ويتركون له ومستشاريه مهمة حل شفرة هذه الرسالة الغامضة. وبالنسبة للسكيث التقليديين - لا السكيث الذين يضاجعون النساء الغريبات - لا ريب أن الأمازونيات هن اللائي يمثلن الآخر (تخيل نساء يمارسن القنص ويخضن الحروب!) لكن بالنسبة للفرس، السكيث هم الآخر. وعودة بهذه التناقضات إلى نقطة البداية، ربما نقول إن السكيث المراوغين في عرباتهم لا يختلفون بالكلية عن الأثينيين - وكانوا أيضا في ذلك الحين فقراء - الذين يفرون من الفرس باللواذ إلى أسوارهم الخشبية والرحيل سرا قاصدين سلاميس.
انطلق هيرودوت يمجد ذكرى أعمال الإغريق وغير الإغريق على السواء، لكن في تعامله مع هاتين الفئتين من الناس، وجد أنهما لا تمثلان كتلتين موحدتين؛ فهناك اختلافات مثيرة لم تقسم مختلف جماعات «البرابرة» فحسب، بل قسمت أيضا الإغريق أنفسهم، كما يشهد على ذلك الإسبرطيون الذين تشبه عاداتهم أحيانا عادات البرابرة، ومن ثم فهم حتما موضع اهتمام الرجل الذي وصفه كابوشنسكي بأنه «أول قائل بالعالمية». يمزج هيرودوت في كتابه الأفكار الكبيرة - حرمة الناموس، وإمكانية الانحراف عن الأعراف الأبوية، والتعددية المذهلة للمسارات الإنسانية - بثروة من التفاصيل. ولأنه مسحور بهذه التفاصيل، فهو ينقل إلينا سحرها.
هوامش
الفصل الخامس
المرأة في التاريخ، والمرأة في «تاريخ
هيرودوت»
Неизвестная страница