Геродот: Очень короткое введение
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
من ناحية أخرى، يتمكن وصف هيرودوت للماساجيتاي من دمج الجنس/الزواج والموت والأكل في وصف واحد متسق؛ فالماساجيتاي شرابون للبن ولا توجد لديهم زراعة، ومن ثم لا يأكلون إلا اللحوم والأسماك. وعلى الرغم من أن كل رجل ينكح زوجة واحدة، فإنهم جميعا يتشاطرون زوجاتهم مع بعضهم بعضا، ويقررون الوقت المناسب للموت على النحو التالي:
عندما يبلغ إنسان سنا متقدمة، تقيم الأسرة حفلا وتجعله ضمن أضحية عامة من البقر، ثم يسلقون لحمه ويأكلونه. وهم يعتبرون أن هذا أفضل أنواع الموت. وأما من يموتون متأثرين بالمرض، فلا يؤكل لحمهم، بل يدفنون، وتعتبر مصيبة كبيرة ألا يعيش المرء طويلا بما يكفي للتضحية به.
يفعل الإيسودون شيئا مماثلا، لكن فقط بأجساد من ماتوا فعلا؛ فعند موت أبي أحد من رجالهم، يأتي أقاربه كافة بأبقار إلى بيته، وبعد تضحيتهم بالحيوانات وتقطيع اللحم قطعا، يقومون عندئذ أيضا بتقطيع أبي مضيفهم الميت ويولمون باللحم المختلط. وبالإضافة إلى ذلك، ينتفون الشعر من رأس الرجل المتوفى وينظفونه ويذهبونه.
صحيح أن هيرودوت لم يجمع بياناته المختلفة بدرجة كافية للوصول إلى صميم ما يجعل مجتمعا ما يقوم بوظائفه، إذ يحكي لنا الكثير عن طقوس الشعوب التي يناقشها - طقوس الدفن والأضاحي من الحيوانات والأضاحي من البشر من حين إلى آخر - لكنه لا يكاد يحكي شيئا عن منظومات اعتقاداتهم، وهو لم يمكث في أي مكان معين فترة طويلة بما يكفي كي يكون خبيرا بروح هذا المكان؛ ولهذا فإنه غالبا ما ينتقد بأنه لا يمارس إثنوجرافيا «حقيقية»؛ بمعنى أنه لم يكن أكثر من مجرد سائح، فهو لم يتبن بالكامل دور «المراقب المشارك» فيستقر بين شعب ما على مدى الفترة الأنثروبولوجية التقليدية الدنيا، وقوامها سنة، ويسعى إلى الاختلاط بالبيئة المحيطة به فيما يكرس نفسه لمحاورة رواة أصليين. يروي لنا كابوشنسكي كيف أنه تعاطى الحشيش مع بعض الأشخاص الذين تعرف إليهم في السودان، ويورد هيرودوت أن السكيث ينتشون بتعاطي الحشيش بقوله «يصيحون من اللذة»، لكنه لا يشير في أي موضع إلى مشاركته هو نفسه في تلك التجربة. ولا ريب أن الأنثروبولوجيين المحدثين يخدعون أنفسهم عندما يتوهمون أنهم طمسوا هويتهم وتوحدوا مع «شعبهم»، لكنهم على الأقل يتظاهرون بذلك. ولا شك أن هيرودوت تعرض - مثله مثل الإثنوجرافيين المحدثين - لرواة كذابين يجدون أشد المتعة في تضليل باحث لا يسكر.
لم تتركه محدوديته اللغوية تحت رحمة المترجمين والأقلية الناطقة بالإغريقية من السكان المحليين - وهي زمرة قلما تمثل المجتمع كله - فحسب، بل وسمته على الدوام كشخص أجنبي. ويخطر ببال المرء ملاحظات كابوشنسكي الذي يكتب قائلا إنه لا بد أنه كان هناك:
شيء في مظهري وإيماءاتي، في طريقة جلوسي وحركتي، فضح أمري، فأفصح عن العالم الذي أتيت منه وكم هو مختلف. أحسست أنهم اعتبروني أجنبيا ... بدأت أشعر بالانزعاج والضيق. كنت قد غيرت حلتي، لكن فيما يبدو لم أستطع حجب ما كان يقبع تحتها، وهو ما وسمني وأظهرني بمظهر الجسيم الأجنبي.
ولم يكن هذا إلا في روما، التي كانت محطة في طريقه من بولندا إلى الهند! ونعرف أيضا من كابوشنسكي كيف أن واحدا من السكان المحليين أخذه إلى أعلى أحد المساجد ليريه الإطلالة، ثم طالبه بتسليم أمواله. فهل مر هيرودوت بتجارب كهذه؟ لا نعرف أبدا إن كان مر بمثلها. ماذا كان رأي مبحوثيه فيه؟ هل كان يمكث في بيوت الأهالي الخاصة، فيساعد في الأعمال المنزلية؟ أم لم يكن يساعد؟ ليس من الصعب أن نتخيل التمتمة: «إنه ظريف، لكن هل سيقتله المنجل لو أمسك به من حين إلى آخر وساعد في العمل؟»
كان هيرودوت حتما عرضة نوعا ما للسقوط في التعميم، كان يسهل عليه أن يستغل التفاصيل الفردية التي لاحظها ويعممها بشكل مبالغ فيه؛ فيراه المرء في بريطانيا يقول: «إنجلترا بلد شديد البرودة، ويقتات اللندنيون بطعام يسمونه الكاري، فيأكلونه طوال النهار؛ لأنه يبث الدفء في جميع أجزاء أجسامهم، وعندما يعاودهم الشعور بالبرد، يأكلون المزيد منه، وهم يحصلون على هذا الطعام من الهند، حيث يحمل من هناك على ظهور الكلاب التي يراها المرء في كل أنحاء بريطانيا. ويبدو لي أن هذا هو سبب المحبة الشديدة التي يكنها البريطانيون للكلاب.» لكن إذا كنا سنشكو من أن هيرودوت لم يرق، من كل النواحي، إلى معايير الإثنوجرافيين المحدثين، فينبغي أن نلوم أيضا ألكسندر جراهام بل على عدم اختراعه الهاتف المحمول، وتوماس إديسون على عدم اختراعه فرن الميكروويف. وينبغي أن نضع في اعتبارنا الشكوك البالغة المثارة حول إثنوجرافية مارجريت ميد الشهيرة «البلوغ في ساموا»، وهي شكوك اكتسبت مصداقية من حقيقة أنها لم تتعلم اللغة قط، واعتمدت على ناطقين باللغة الإنجليزية من السكان المحليين. والأهم من هذا كله أنه ينبغي علينا أن نتذكر أن هيرودوت لم ينح شكوكه قط؛ فهو يعي تماما عدم إمكانية تعويله حتى على المعتقدات الراسخة أشد الرسوخ لدى رواته، فهو يحكي لنا أن السكيث يقولون إن كل فرد من النوير يصبح ذئبا لبضعة أيام كل سنة ثم يعود إلى هيئته الأصلية، فيورد في كتابه: «أنا نفسي لا أصدقهم عندما يقولون هذا، لكنهم يقولونه مع ذلك، بل وفي الحقيقة يقسمون جازمين بصحته.» ويضحكه مواطنو مدن أيونيا الاثنتي عشرة الذين زعموا أنهم يتحدرون من أنقى سلالة أيونية، ويجادل بقوله إنه حتى المستوطنون الذين انطلقوا من مجلس مدينة أثينا ذاته لم يصطحبوا معهم أي زوجات، بل تزوجوا فتيات كاريات محليات كانوا قد قتلوا آباءهم وأمهاتهم من قبل.
على الرغم مما نراه - نحن المحدثين - غيابا للعمق في الوصول إلى القيم الجوهرية لأي شعب زاره، فإنه يفتتن بصراحة بأوجه الشبه (وأوجه التباين) الكثيرة التي يكتشفها في الطيف الواسع الذي يكون المجتمع الإنساني ؛ فترانيم البابليين الجنائزية تشبه الترانيم المستخدمة في مصر، وشعب قبرص لديه تقليد شبيه بالممارسة التي أبقت على الفتيات البابليات غير الجذابات جالسات - والأمل يحدوهن - في معبد أفروديت لثلاث سنوات أو أربع، ويشبه الإسبرطيون المصريين من حيث إن الشاب يفسح الطريق إذا رأى رجلا أكبر منه سنا مقبلا. علاوة على ذلك، فإن المهن في كلا المجتمعين تورث من الآباء إلى الأبناء، فنجد عازف المزمار ابن عازف مزمار، والطاهي ابن طاه، والمنادي ابن مناد. والممارسات الإسبرطية فيما يخص موت ملوكهم تشبه ممارسات الفرس؛ فعندما يموت ملك وينصب آخر، يبرئ ملك إسبرطة الجديد كل من كانوا مدينين للملك أو الدولة، ويبرئ ملك فارس مختلف المدن من أي متأخرات في الجزية تكون مستحقة عليها. ويدفن البدو - باستثناء النسمونيين، الذين يدفنون الجثامين في وضع جالس (مع الحرص على عدم السماح لأحد أن يموت وهو راقد) - موتاهم مثلما يفعل الإغريق.
شكل 4-1: لم تكن شهية هيرودوت لكل ما هو مصري تعرف حدودا.
Неизвестная страница