Геродот: Очень короткое введение
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
يبين هيرودوت أن اليونان كلها كانت مأهولة في الأساس بالشعب البربري المسمى بيلاسجيان، الذي تحدر منه أثينيو ذاك العصر مباشرة. وقد استقبل بسخرية الادعاء القائل بأن سكان المدن الأيونية الاثنتي عشرة بآسيا الصغرى هم بطريقة أو بأخرى من أصل أيوني أنقى وأشرف من الآخرين؛ لأن عددا ضخما من المستوطنين الأصليين جاءوا من مدن غير أيونية، بل ومن بعض المدن التي لم تكن حتى إغريقية! كذلك يشدد أيضا على النفوذ الفينيقي؛ إذ يقول إن البطلين الأثينيين المبجلين هارموديوس وأريستوجيتون كانا ينتميان إلى عشيرة ليست - كما زعما - من مدينة إريتريا الواقعة شمال أثينا، بل في الحقيقة من أصل فينيقي مثلما كانت الألفبائية من فينيقيا، حسب تأكيده. وهيرودوت لا يرحم الإغريق أبدا في تشديده على المصادر المتنوعة التي استعاروا منها، فمن الليديين استعاروا معظم ألعابهم، ومن الكاريين استعاروا ريش الخوذات وشعارات الدروع ومقابضها، ومن الليبيين استعاروا الملابس التي كان الأثينيون يصورون عادة وهم يرتدونها، وأكد أنهم تعلموا هويات الآلهة كلها من غير الإغريق؛ ولا سيما المصريين، فمقارنة بالمصريين، لم يتوصل الإغريق إلى معرفتهم بالآلهة «إلا أمس أو أول أمس إذا جاز التعبير.» وهو يقول إنه يستطيع تقديم قدر لا بأس به من الأدلة التي تؤيد فكرة أن الإغريق استعاروا اسم هرقل من مصر وليس العكس. ويعزو هيرودوت - وهو في العادة، لكن ليس دائما، من القائلين بالانتشار الثقافي - اختراع المذابح والمعابد والتماثيل والمواكب الدينية وعقيدة تناسخ الأرواح إلى المصريين، وفي معظم الأحيان يؤكد أن الإغريق استعاروا هذه العادات، بل وفي حالة تناسخ الأرواح، نجده في واقع الأمر يتهم المستعيرين الإغريق بالسرقة الصريحة (يقول علماء المصريات إنه مخطئ في هذه النقطة، لكن تفكيره يتباين تباينا صارخا مع تفكير هيكاتايوس الأكثر منه تعصبا لوطنيته، والذي كان مقتنعا بأن التأثير سار في الاتجاه المعاكس).
إذن فهيرودوت يظهر، في أسلوبه القصصي وفي أسلوبه الإثنوجرافي، اعتقادا قويا بأن المرء كي يفهم التاريخ يجب أن يفهم الأصول؛ فهو على دراية بأن الكبرياء الوطني يقود الناس إلى طرح روايات مجملة لأصولهم تقلل من قيمة المزيج العرقي والاستعارة الثقافية. وعلى امتداد صفحات «تاريخ هيرودوت»، يتعامل المؤلف مع أصول الأصول، منوها إلى أن التقاليد السائدة حيال التقاليد إنما هي محل شك، وأنه يجب علينا أن نأخذ المصدر بعين الاعتبار. وكان ينبغي أن يتذكر من ينتقدون هيرودوت بسبب بعض الحكايات غير المعقولة الواردة في كتابه دوره في تأسيس نقد المصدر.
الفصل الثالث
الحرب بين الإغريق والفرس
لا يعتمد هيرودوت على مهاراته ككاتب مسرحي في أي موضع آخر اعتمادا أعظم نجاحا منه في معالجته الحروب الفارسية الدموية ذاتها؛ فالحروب بين اليونان وفارس، التي تشكل محور «تاريخ هيرودوت»، لا تظهر على الساحة إلا بعد تجاوز منتصف الطريق في السرد، لكنها عندما تظهر، تتسارع كالسيل الجارف نحو ختامها، فتسرعها قناعات هيرودوت القوية بشأن الطبيعة الإنسانية بكل صنوفها: ذلك التعطش النهم إلى الانتقام، وميل الملوك الشرقيين إلى الرغبة في المزيد والمزيد من الأملاك، والعواقب المأسوية لعدم الالتفات إلى المستشارين الحكماء الذين يقولون الحقيقة لأصحاب السلطة، وأخطار الحكم المطلق، وتزلف المتزلفين إلى الحكام ممن لديهم أجنداتهم الخاصة، والبطولة المستبسلة من جانب جنود المشاة الإغريق الجادين، والطاقات التي أطلقتها الديمقراطية. فالتوتر مستمر بين الدراية بالمحصلة وعدم ترجيح حدوث تلك المحصلة. بالتأكيد، سيكون النصر حليف الإغريق، ويعلم الجمهور أن الإغريق انتصروا، وقد حذرت الطوالع والبشر على السواء خشايارشا المتغطرس من المتاعب التي تنتظره.
من ناحية أخرى، كيف أمكن في الحقيقة وقوع ما حدث؟ كيف أمكن لعصبة من نيف وثلاثين دويلة صغيرة دأبت التشاحن المستمر فيما بينها، ناهيك عن التنازع الداخلي الدائم، أن تهزم أكبر إمبراطورية شهدها العالم على الإطلاق؟ إن تفسير هيرودوت لنصر الإغريق باعتباره لا يصدق وحتميا في آن واحد - هزيمة جالوت الفارسي على يدي داود الإغريقي - يشكل سرده ويعمق الشعور بالإثارة لدى جمهوره. وتدوي فكرة النصر التي تتمحور حولها هذه السيمفونية عاليا، ماضية بسلاسة وقوة بينما تتصاعد وتمور نحو خاتمة تحبس الأنفاس. إننا نتعامل مع عمل فني هنا، لا حوليات جافة؛ وبالتالي فإن هناك عناصر من إعادة التشكيل الدرامي والمبالغة، فأنا أو أنت ربما نقدم وصفا مفصلا للحروب بطريقة مختلفة، لكن دعنا نستمع إلى القصة كما يرويها هيرودوت، مرجئين عدم التصديق طويلا بدرجة كافية لاستيعابها، على الرغم من تشككنا في أن كل شيء ربما لم يحدث بالضبط كما يقول.
شكل 3-1: يظهر خشايارشا هنا في شبابه عندما كان ولي عهد فارس، واقفا خلف أبيه دارا بين المنحوتات البارزة التي تزخر بها الخزانة في العاصمة الفارسية برسبوليس.
1
يتمرد الإغريق الأيونيون على الإمبراطورية الفارسية بدافع الشعور بالقهر نتيجة زيادة الضرائب، وبتشجيع من زعماء حريصين على مصلحتهم الشخصية؛ فيظهر أرستاجوراس الملطي في إسبرطة ملتمسا العون من الملك كليومينس (احتفظت إسبرطة، خلافا للدويلات الإغريقية الأخرى ، بنظام الملكية، لكن كان يتولى الحكم فيها ملكان من أسرتين حاكمتين)، فتحبطه ابنة كليومينس الجريئة جورجو ذات الثماني أو التسع سنوات، التي تحذر أباها من محاولات أرستاجوراس رشوته، صائحة: «أبتاه، الأحرى بك أن تنهض وتغادر وإلا سيرشوك ضيفك.» كان الأثينيون أكثر تجاوبا، حيث وافقوا على توفير 20 سفينة لحركة التمرد، مما دفع هيرودوت إلى التنويه إلى أن خداع حشد أسهل فيما يبدو من خداع فرد. ويخفق التمرد، وفي غضونه تشتعل النيران في عاصمة كرويسوس القديمة سارديس، ولدى سماع دارا بضلوع الأثينيين، يسأل عمن يكون هؤلاء الناس، ولدى سماعه الإجابة:
يقال إنه طلب قوسه، فأمسكه وشد في وتره سهما، وأطلقه عاليا نحو السماء، وبينما كان يطلقه في الجو قال: «أيها الرب زيوس، هب لي ما أعاقب به الأثينيين.» ثم أمر أحد أفراد حاشيته أن يكرر على مسامعه عبارة «أي سيدي، تذكر الأثينيين» ثلاث مرات كلما جلس لتناول طعامه.
Неизвестная страница