فإذا نزل القضيب مطبوعًا في الحلق فَحوِّلْ يدك به طالعًا حتى يكون في أول الحكِّ وآخِر الغسلِ، وابدأ بربطه وبضرب الَّلزازين: المَيَامن قبل المَيَاسر، لئلا يكون فيه لحن؛ ثم أَوتره وضع الجباد على رقيق خاصرتك، وخُذ المخطاف بيدك اليسرى بعد إشباع يدك اليمنى تحت المفتاح، وضعه في الوتر، واطلع به ثم أَوْقِعْه على بركة الله، فأن خرجت عنه الإبهام فإن خروجك بسلام، ثم حوِّل القوس وانقله إلى يدك اليسرى وركِّب السهم وارْمِ ما أحْبَبْتَ.
فصل
قال بعض علماء هذا الشأن: أَوْقِعْ بحِلم، وانظُر بعِلْم، واقْرُصْ بغَضَب.
وقيل: شّدَّ اليسار، وحُدَّ النَّظر، فقد صحَّ لك من الأمر أَثر.
وقد قيل: إذا أصاب الرامي الغرض بسهمه قتل ببلاد العدو رَجُلا، وإذا رَمَيْت فتعوَّد العجلة.
وقد حُكي عن رجل من العرب أنه وقف على رَامٍ قدَّمٍ جرّ قوسه وهو ينظر! فقال له: ما الذي تنظر؟ قال: لَعَلِّي أَعْرض أحدًا! فقال له: اِرْمِ السَّهمَ يَطْلَبْ صاحبَه.
والعالي من الرماة هو الجَّرارُ، الثابت النظر، السريع الرماية. وقيل: العلوُّ في الرماية: الجَرّ، والرمي، والجرأة. ولا تجتمع هذه الخصال إلا في قليل من الرُّماة.
واعلم أن جرَّ القوس مَخُوفٌ في زمن الشتاء، وذلك حذرًا على الرامي لشدة القوس، وحذرًا على القضيب لحسومته. فالقضيب الشرقيُ يَصْلح للشتاء، والقضيب الغربي يصلح للصيف. فإن كنت في زمن الشتاء فاجعل قَوسك للشمس حتى ترطب وتلين، وارْمِ بها. وإن كان يومَ قَرٍّ فلا سبيل إلى ذلك إلا في الغزو خاصة. وإن كنت في زمن الصيف فاجعلها في مكان بارد حتى تبردَ وارْمِ بها.
والشأن كلُّه والبَرَكة في قَرْصِ المفتاح. والقرص على ثلاثة أوجه: فمن الناس من يكون ضبطُه سلسًا، فيكون قَرصُه لينًا، ومنهم من يكون ضبطه بَيْنَ بَيْنَ، فيكونُ قَرصُه شيئًا شيئًا. فهم لا يستوُون في ذلك. والخاتمة إنما هي القَرْص.
فصل
واعلم أن القوسَ لا يستوي طرفاها حتى يَكْمُلَ عليها الصفة. فأحْذَرْ ستَّ خصال، فإنها رأس الخطأ في هذه الصنعة: الوتر الخَشِن، فإنه يَنْقص الرمي ويكسر القضيب، وفي القضيب الفراغ، والامتلاء، والوقوف، والخشْب الذي يكون تحت الصدر، وترقيق الأطراف.
ومما هو عند الرُّماة فرضٌ واجب حَترة الكتان للوَتَر. وإذا رأيت قوسًا قوية فلا تَجُرها بِوَجْه.
وإذا مشيت في الغزو فثقِّل الزاد وخفِّف السلاح، وبزائد القوس على جميع السلاح. فالقوس الخفيفة هي النفَّاعة الرمي.
وإذا رأيت الناس في الصدمة الأولى فقف مكانك، حتى ترى ما يكون، لعلك تفض بمن وصل إلى الناس شده. ولتكن سهامُك مستويةَ العمل غزاليَّة التركيب، رقاقَ بيوتِ الرِّيش، فَرْديَّة الأفواق.
وأحذر سبع خصال، فأما أسباب رجوع السهم إلى الرامي، فمنها في السهم اثنتان: فِصَر الفُوقِ، والتجنيب أمام. وفي الجوزة اثنتان: سَعَة النهر، وعلو العَتبَة. وفي القضيب ثلاثة: الفراغ، والامتلاء - وقد تقدم ذكرهما - والغسْل.
فصل
واعلم أن الرماية صَنعةٌ، والغرضَ سَعْدٌ، فضربُ الغرض من السُّعود.
واعلم أن الأول من السهام يسمى) دليلًا (والثاني) بانيًا (، والثالثَ) ظَهُورًا (، والرابع) طالبًا (والخامس) ضاربًا (، والسادس) سَدَّ ذريعة (. فإذا رميتَ الدليل وجاء فوق الإشارة، ورميت الباني وجاء تحتها، ورميت الظَّهورَ وجاء يمينًا، ورميت الطالب وجاء يَسارًا فارْمِ الخامس فهو الضارب كاسمه كما ذكرنا، والسادسُ هو المحقَّق، وهُوَ سَدُ الذريعة.
ومن رمى الستة ولم يُصِبْ بأحدها فَرِمايتهُ خِداج، فلا يتعاهَدِ الرمْيَ أَبَدًا. ومن أصاب باثنين فشغله قد تَيَسَّر، ومن أصاب بأربعة فهو قد أصاب كثيرًا من الصنعة، ومن أصاب الستة فقد حاز درجة المنتهى، ودخل في دعوة رسول الله ﷺ لسعد بن أبي وقَّاصٍ ﵁، وكان أول سَهْم رمى به في غزوة بدر الأَبْواء. وهذه الأبيات من قوله في ذلك:
ألا هَلَ أتى رسولَ الله أني ... حَمَيْتُ صَحابتي بصدور نَبْلي
فما يعتدُّ رامً في عدوٍّ ... بسهم يا رسول الله قَبلي
أذود بها أوائلهم ذِيادًا ... بكل حُزونة وبكل سَهْلِ
وذلك أن دينك ديِنُ صِدق ... وذو حق أتيتَ به وعَدلِ
1 / 49