والتاسع) اللَّطيم (، وإنما جعل ملطومًا حيث فاز المؤمَّل دونه، فلطم وجهه عن دخول الحجرة.
والعاشر) السُّكَيْتُ (، وإنما قيل له سُكيْت لما يعلو صاحبه من الذُّل والسَّكوت. ووجب أن يكون كذلك، لأنه كان الذي قبله لَطِيمًا، فما عسى أن يقول؟ فالعُذْرُ ينفعُهُ.
قال كلابُ بن حمزة: ولم نعلم أحدًا من العرب في الجاهلية والإسلام وَصفَ خيل الحلبة بأسمائها وذكَرَها على مراتبها غير محمد بن يزيد ابن مَسْلمة بن عبد الملك بن مروان، وكان بالجزيرة، بالقرية المعروفة بحصن مَسْلمة، من كوُرة الرّقة من ديار مَضُر؛ فإنه قال في ذلك قصيدة حسنة أولها:
شهِدْنا الرِّهان غداةَ الرهان ... بمجمعة ضمَّها الموسمُ
نقود إليها مَقَادَ الجميع ... ونحن بصَنْعِتِها أَقومُ
يقول فيها عند ذكر الحَلبْة:
فجلَّى الأَغرُّ وصلَّى الكُميْتُ ... وسلَّى فلم يُذْمَمِ الأدْهَمُ
وأَرْدَفَهَاَ رابعٌ تاليًا ... وأينَ مِن المنُجْدِ المُتْهمِ؟
وما ذمَّ مرُتَاحُها خامسًا ... وقد جَاءَ يقدم ما يقدم
وسادسها العاطف المستحير ... يكاد لحيرته يحرم
وجاء الحظىُّ لها سابعًا ... فأسهمه حظُّه المُسْهِمُ
وجاء المؤمّل فيها يخيب ... وغنَّىِ له الطائر الأَشأمَ
وجاء اللَّطيم لها تاسعًا ... فمن كلِّ ناحية يُلطَمُ
يَخُبُّ السُّكَيت على إثْرِه ... وذفراه من قُبة أَعْظَمُ
والقصيدة طويلة متممة الأغراض في معناها، ذكَرَهاَ أبو الحسن المسعودي في كتابه) مروج الذهب (. وإنما أتينا نحن منها بالأبيات التي تضمنت ذكر خيل الحَلْبَةِ فقط.
والحَلْبة مَجْمَعُ الخيل، ويقال مجتمع الناس للرِّهان؛ وهو من قولك: حَلَب بنو فلان على بني فلان، وأَحْلَبُوا: أي أَجَمُعوا.
فصل
وصفة الفرس الذي يمكن أن يحضر الغاية ويجاري الحلْبَة على غير تضمير ولا تحمُّلٍ ولا تشمير: إن يكون رَحْبَ المتنفَّس: جوِفه ومِنْخَريه، رَحْبَ الإرهاب، عريض المتن، عريض القَطَاةِ، قد تجافت عن كليتيه، هَريتَ الشَّدقين، غزير الرِّيق، رَحْبَ الصَّدر، لاحق الصِّفاقِ، ويكون مع ذلك هشًا، يَحْمى عرقُه رَبْوَ بدنه.
فإذا كان على هذه الصفات فالأحسن له والأحوطُ عليه أن لا يُرْسَل في المضمار على أَثرِ دَعة، حتى يكون قد أخذ منه أيامًا، فلحق بَطْنُهُ أي خفَّ، ويكون قد استركع للركض أي اشتدَّ له. وأيضًا فإن بطنه على أثر الدَّعة يكون في يكون الأكثر ممتلئًا، وصِفاقُهُ ممتدًا، فربما صَكَّهُ بثفَنِاته فقطعه أو أعْنَته وقصَّر به، والموُدع لا يضبر أبدًا كضبر غيره من الخيل التي أخذ منها بالرياضة والعمل. وقد نرى من الوحش والكلاب وهي مما لا تضمَّر ولا تصنَّع إذا كلِّفت الجري على دعة رَبَت وبهرَتْ وانقَطَعَتْ عمَّا كانت تفعله في غير دَعَةٍ. وكلُّ حيوان إذا ودع اسْتَرْخَى، فلا خير في اقتحام المِضْمار إلا بعد العمل والإضمار. وإن كان على الصفة المشكورة، والخلقة الموفورة.
والمستحب في التضمير، بل الذي لا يجب غيره: حسن الولاية في السياسة، وقلة السآمة في النظر والخدمة، وموالاة الركوب بمقدار ما يحتاجُ إليه في ذلك، وتقليلُ عَلَف الدابة مرة، وإدخالها بيتًا كنَينًا وتجَلْيلها فيه لتعرَق ويجفَّ عَرقُها. فيصلب لحمها ويخف وتقوى. وليس الإضمار بأن يهزل الفرس ويُذالَ ويبخسَ من حَقِّه، وإنما يفعل ذلك ليشد لحمه، ويعصر جسمه، وتذهب فضُولهُ، ويبقى على ما طُبعت عليه أُصولُهُ.
وّذَكَرَ ابن بَنينَ أن رسول الله ﷺ كان يأمر بإضمار خيله بالحشيش اليابس، شيئًا بعد شيء، وطَيًّا بعد طَيٍّ. ويقول: أَرْوُوها من الماء، واسقُوها غُدْوةً وعَشِيًا، وألزِمُوها الجِلاْلَ، فإنها تُلقى الماءَ عَرَقًا تحت الجِلال فتصفو ألوانها، وتتسع جلودها.
وكان ﷺ أمَرَ أن يقودها كلَّ يوم مرَّتين، ويؤخذ منها من الجري الشوط والشَّوطان، ولا تركض حتى تنطوي.
والخيل تختلف أحوالها، وتتباين أشكالها، وكل واحد منها يختص بمضماره، ويحمل منه على حده ومقداره، فليؤخذ كل واحد منها على حاله ومَشَاَطِهِ، وبقدر كسله أو نشاطه، بعون الله.
الباب الثاني عشر
أسماء خيل رسول الله
1 / 34