Мудрость Запада (Часть первая): Исторический обзор западной философии в ее социальном и политическом контексте

Фуад Закария d. 1431 AH
168

Мудрость Запада (Часть первая): Исторический обзор западной философии в ее социальном и политическом контексте

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Жанры

البرجماتية، كما سنرى فيما بعد. ولكن هذا، على أية حال، لا ينطوي على كشف علمي ملفت للنظر، لأن الإنسان يدرك ذلك بفهمه العادي حين يقول إن التدريب يصنع الكمال. وهكذا فإنه لا يكفي في الرياضيات أن نتعلم النظريات، بل ينبغي أن يكون المرء قادرا على تطبيق معلوماته النظرية على مجموعة متنوعة من المشكلات المحددة، ولا يعني ذلك دعوة إلى التخلي عن البحث المنزه لصالح المنفعة، بل إن الأمر على عكس ذلك؛ إذ إن رؤية المفاهيم وهي مطبقة بطريقة عملية هي التي تكسبنا فهما صحيحا لها، وقد تبدو وجهة النظر هذه، ظاهريا، قريبة الشبه بالنظرية البرجماتية عند بروتاجورس. غير أن فيكو لا يجعل من الإنسان مقياسا للأشياء جميعا بالمعنى السفسطائي، بل إن ما يؤكده هو العنصر الفعال، الذي يعيد تركيب الوقائع، في عملية المعرفة وهو شيء مختلف كل الاختلاف عن اتخاذ ما يبدو لكل شخص معيارا نهائيا.

ومن جهة أخرى فإن تأكيد الفاعلية يتعارض بشدة مع الأفكار الواضحة المتميزة عند العقليين. فعلى حين أن المذهب العقلي يتباعد عن الخيال على أساس أن هذا الأخير مصدر للاضطراب والخلط، فإن فيكو على عكس ذلك، يؤكد دوره في عملية الكشف. وهو يرى أننا قبل أن نصل إلى تصورات أو مفاهيم، نفكر في إطار مواقف أقرب إلى الغموض وانعدام التجدد. على أن هذا الرأي ليس صائبا كل الصواب، لأنه مهما كان من غموض عملية فكرية معينة، فمن الصعب أن نتخيلها وقد خلت تماما من مضمون من التصورات، وربما كان الأفضل أن نقول إن الفكر البدائي يستخدم صورا ومجازات، على حين أن الفكر التصوري

Conceptual

هو آخر مرحلة في الارتقاء والتعقيد. ومن الممكن أن نستنتج من هذا كله حقيقة هامة هي أن العرض الذي يقدمه المذهب العقلي يتعامل مع العلم بعد الانتهاء من إنتاجه، ويقدمه بترتيب يصلح للعرض. أما العرض المتضمن في كتابات فيكو فيكشف عن العلم خلال نموه، ويسير حسب ترتيب الاختراع. ولكن أعمال فيكو لا تعبر بوضوح عن قدر كبير من هذه الأفكار.

أما بالنسبة إلى التاريخ الذي هو من صنع الإنسان، فإن فيكو يرى أننا نستطيع أن نحقق فيه أعظم قدر من اليقين، وكان من رأيه أن المؤرخ يستطيع كشف القوانين العملية لمسار التاريخ ويفسر من خلالها سبب وقوع الأحداث على نحو ما وقعت، وسبب استمرار حدوثها في المستقبل بطريقة قابلة للتنبؤ. على أن فيكو لا يقول إن كل تفصيل يمكن التنبؤ به آليا، وإنما يقول إن الخطوط العريضة يمكن معرفتها على نحو عام. فهناك، في رأيه، مد وجزر في أمور البشر. وحظوظ الناس تسير في دورات، شأنها شأن المد والجزر، وكما رأينا من قبل فإن المصدر الأول لنظرية الدورات هو الفترة السابقة لسقراط. غير أن فيكو يضفي لونا جديدا على هذه الأفكار القديمة ، وذلك حين بحث عن صورة المراحل المتكررة للتاريخ في عقل الإنسان، بوصفه مؤلف المسرحية وممثلها.

وهكذا فإن نظرية فيكو تتطلع قدما إلى نظرية التاريخ عند هيجل، بدلا من أن تعود إلى الوراء. وفي الوقت ذاته فإن هذه النظرة إلى المشكلة التاريخية أكثر تلاؤما مع الدراسة التجريبية للتاريخ من نظريات النظام والترتيب

Order

التي قال بها العقليون. وهكذا فإن نظرية العقد الاجتماعي، كما عبر عنها هبز، ومن بعده روسو، تعبر عن نوع التشويه المميز للعقليين. فهي نظرية اجتماعية منظور إليها بطريقة ميكانيكية، بل بطريقة تكاد تكون رياضية. أما نظرية فيكو فتسمح له بالنظر إلى التنظيم الاجتماعي على أنه نمو طبيعي متدرج، ينخرط فيه بشر يطورون ببطء أشكالا للحياة المشتركة، عن طريق التراكم التدريجي لتراثهم، على حين أن العقد الاجتماعي يفترض بشرا يجدون أنفسهم وقد أصبحوا بصورة مفاجئة كائنات عاقلة قادرة على التدبر والحساب، تبعث الحياة في مجتمع جديد بفعل إرادي ينطوي على قرار عقلي.

وما يصدق على المجتمع بوجه عام يصدق أيضا على اللغة بوجه خاص، فاللغة تبدأ عندما يتعين على الناس، خلال أوجه نشاطهم المشتركة، أن ينقلوا المعلومات بعضهم إلى بعض. وتتألف اللغة، في صورتها البدائية، من إيماءات وأفعال رمزية، وعندما تصبح اللغة منطوقة تمر العلامات بتطور متدرج من الارتباط المباشر والطبيعي بالأشياء البسيطة، إلى أنماط مصطلح عليها، بل إن بداية اللغة لا بد أن تكون شاعرية، وهي لا تصبح علمية إلا بالتدريج، ولقد كان النحويون الذين قننوا مبادئ التركيب اللغوي على خطأ عندما أخذوا برأي العقليين هنا أيضا، ونظروا إلى اللغة على أنها بناء واع مقصود. وقد رأينا من قبل، عند دراستنا للفلسفة القديمة أن اللغة العلمية والفلسفية نتاج متأخر للحضارة، وتبين لنا كيف بذل الناس جهدا خارقا مع اللغة السائدة في عصرهم كيما يقولوا أشياء جديدة. والواقع أن هذا ما زال مبدأ هاما ينساه الناس في بعض الأحيان. ذلك لأن مهمة العلم والفلسفة اللذين يبدآن باللغة العادية، هي بالضبط صياغة أدوات لغوية أدق بهدف معالجة الأبحاث الجديدة، وتلك هي الرسالة القيمة المتضمنة في الدعوة الديكارتية إلى الأفكار الواضحة المتميزة. على أنه لا يبدو أن فيكو ذاته قد نظر إلى المسألة على هذا النحو، ومن هنا فاتته أهمية الفلسفة العقلية بالنسبة إلى العلم.

إن في استطاعتنا أن ننظر إلى اللغة بإحدى طريقتين متعارضتين؛ فإما أن نأخذ بالنظرة العقلية المتطرفة إلى اللغة، كما فعل ليبنتس، فنعدها حسابا تسوده الأفكار الواضحة المتميزة في كل خطواته، وتعرض فيه قواعد الحساب بوضوح وصراحة، وإما أن ننظر، كما فعل فيكو، إلى اللغات الطبيعية تبعا للطريقة التي نمت بها، بوصفها وسائل للتواصل، مع رفض أية محاولة لوضع صيغة صورية لها على أساس أنها تشويه لها. وتبعا لهذا الرأي تكون مهمة المنطق في الواقع زائدة عن الحاجة، ويكون المعيار الوحيد الذي يمكنه توصيل المعنى إلينا هو الاستخدام الفعلي للغة ذاتها. على أن كلتا وجهتي النظر المتطرفتين هاتين على خطأ. فالعقلاني ينظر خطأ إلى اتجاه التطور على أنه هدف نهائي يمكن بلوغه، على حين أن الرفض القاطع لأية صياغة صورية يحول دون أية إمكانية لتجاوز المنظور الضيق الذي نجد أنفسنا فيه في أي وقت. وفضلا عن ذلك فإن وجهة النظر الأخيرة ترتبط عادة بالرأي القائل إن الحديث العادي يتسم بكل ما يلزم من صفات الوضوح والتميز، وهو رأي شديد التسرع والتفاؤل، لا يأخذ في حسبانه الأخطار والتحيزات الفلسفية السابقة التي لا تزال ماثلة في الحديث المعتاد.

Неизвестная страница