زعموا أن علما من أعلام جيش الرشيد تنافس مع ستار من ستور القصر، فقال العلم: كيف تنكر أنك أقل مني قدرا، وأنني أعظم جاها وأرفع ذكرا؟ ألست العلم المحمول فوق الرءوس إذا التحمت الجيوش، وحصر الموت النفوس؟ ألم أقض عمري في خدمة السلطان، فلا الليل يخيفني بوعيده، ولا البعد يلويني ببيده؟
أخو سفر جواب أرض تقاذفت
به فلوات فهو أشعث أغبر
أخبط ورق النهار بعصا التسيار، وأخوض بطن الليل بحوافر الخيل:
وقد كشرت عن سنا نابها
عروس المنية بين الشعل
وجاءت تهادى وأبناؤها
كأن عليهم شروق الطفل
فكم شاهدت حربا، ورأيت طعنا وضربا! وكم حصارا فككت! وخميسا كالجبل دككت! وكم جبت الفيافي والشمس لها في الجو تدويم! وقطعت القفار والشهب تحسد همتي وتضيء محجتي! وكم هبت رياح الموت نكباء فلم ينسخ لهيبها آياتي، ولم يطفئ هبوبها سراج حياتي! هذا وأنت، أيها الستار، باق في الدار، تطويك أيدي الحور الحسان، من كل قينة كغصن البان، ما يزهد حسنها الحكيم في حكمته، وتفتن سقراط ولقمان، وينشرك ظبي رومي الأصل عراقي النشء: إذا حسر عن رأسه، وشمر عن ساقه، وافتر عن ثغره رأيت العسجد والبلور واللؤلؤ في المرجان.
أما أنا فيحملني جندي شديد، ويحتفظ بي بطل صنديد، لا ترهبه الحروب، ولا تحرجه الكروب، فإذا مسني لا يشفق على بدني الضئيل، ولا يرفق بعودي النحيل، فأي ذنب جنيت حتى كتب علي أن أذوق من العذاب الألوان والصنوف، وأقضي أيامي بين أنياب المنايا والحتوف؟ وأنت بماذا امتزت حتى نلت الحظوة الكبرى، وتفردت بالإكرام؟
Неизвестная страница