كن يا ولدي صادقا في قولك، أمينا في عملك، وإذا جلست بين يدي الملك في مجلس الدولة فلا تخف عليه شيئا من أمرك، واعلم أنه لا حرج عليك إذا أنبأته بأمر كان يعلمه؛ لأن في ذلك أداء للواجب، وهو من أسمى الخلال وأكرمها، ولا يضعفن عزمك أن يخطئك الملك مرة؛ فإنه لا يخطئك أخرى، وربما رجع إلى قولك إن كان حقا.
إذا كنت زعيما فاختط لنفسك خطة مثلى، واسع جهدك في إنجازها، وكن ممن ينظرون في العواقب، ويتخذون من الحاضر عدة للمستقبل؛ حتى إذا جاء اليوم العصيب الذي لا يستطيع المرء فيه حلا ولا عقدا رأيت محجتك واضحة، وسبيلك جليا ظاهرا؛ فلا تدركك أزمة الضيق، ولا يصيبك من حرج الموقف ما يصيب البله والبسطاء؛ وبذا تستطيع أن تربأ بنفسك عن مواطن الفشل، ولا تكن محسوبا على أحد؛ فإن ذلك يورث المذلة، ويدعو إلى التراخي، ولا تكل أمرك إلى غيرك فتصاب بداء الكسل.
إذا كنت رئيسا فعامل من هم أقل منك مرتبة برفق، واعلم أن مرءوسك هو عضدك وساعدك، وأن التشدد في معاملته يعقل لسانه، ويختم على قلبه، فيخفي عنك ما قد يفيدك العلم به. أما إذا استعبدته بالحسنى؛ فلعله يبوح لك بما يضمر، ويفتح لك خزائن قلبه. وعوده الحرية في القول يصدقك فيما ينفعك، ولا يخدعك فيما يضرك، وإذا أتاك في أمر له فلا تجبهه، بل كن شفيقا صبورا، وإذا استطعت إجابة سؤاله فلا تبطئ؛ فخير البر عاجله، وإياك والشدة في معاملة من يطيعون أمرك؛ فقد تكون داعية إلى سوء الظن بك، واعلم أن الإصغاء للضعيف والمكروب فضيلة يمتاز بها الأخيار على الأشرار.
إذا شئت أن تستبقي حب أخيك وإخلاص صديقك فاحذر مشورة النساء؛ لأنها مجلبة الشر في كل زمان ومكان، واعلم أن حب المرأة مجلبة الهلاك، وما طاب عيش امرئ يقضي على سعادته ويستهين بحياته في سبيل لذة لا تدوم أكثر من طرفة عين، وتورث آلاما تبقى مدى الحياة.
اجتنب جلساء السوء؛ فإن في بعدهم غنما، وفي قربهم غرما. إذا شئت أن تكون صادقا في قولك أمينا في عملك؛ فطهر نفسك من أدران العناد والطمع، واحذر الشراهة والجشع، وإن كنت خلوا من تلك النقائص فحذار أن تقع في هوتها؛ فإنها أدواء لا تستقيم حال المرء ما دامت جراثيمها عالقة به، واعلم أن تلك المعائب تفرق بين الوالد والولد، وتشتت شمل الجماعات، وتبدد أوصال الصداقات، وتقطع ما بين الرجل والمرأة من صلات الود والمحبة، وتغرس بذور النفور والبغض.
كن عادلا؛ فإن العدل يضمن لك الفوز في مضمار الحياة؛ لأن له صولة تدوم وتبقى في الأرض. لا تحاول أن تنال بالبطش والظلم ما ليس لك، ولا تحسد جارك على نعمة أصابها؛ إنما الحسد سم لا ترياق له، وقد رأيت الحسود والشره يقضيان عمرهما في فاقة ولو كانا غنيين. أما القنوع الذي يرضى بالقليل إذا لم يستطع الكثير، ويغبط غيره إذا ناله الخير؛ فإنه لا محالة غني ولو بات على الطوى وتقلب في الثرى.
إذا كنت ذا أهل فأعدد لهم عدتهم، وأوفهم حاجتهم، ولا تحرمهم خيرك وبرك، وأخلص لزوجتك التي تفرش لك وتنيمك، وأطعمها إذا جاعت، واكسها إذا عريت، وداوها إذا مرضت، وأسعدها إذا شقيت؛ فهي أغلى ما تملك، وأعز نعم الله عليك، وحذار أن تقسو في عشرتها، وكن بها رحيما؛ فإن الرحمة تحببك إليها، وتقربك من قلبها، والقسوة تنفرها منك، وتقصي ودها عنك، والمرأة أسيرة من يكرمها، وهي كثيرة الولع بزهو الدنيا وزخرفها؛ فإن لم تنلها ما تحب من المتاع هجرتك.
أحسن إلى خدمك وحشمك، وأعطهم مما أعطاك الله؛ فما منحك المال الكثير والخير الوفير إلا لتمنح ذوي القليل. علمت أن إرضاء الأجير محال؛ فهو كثير الطمع قليل الإخلاص، ولكنك إذا غمرته بإحسانك وأسرته بكرمك أنطقت لسانه بشكرك. واعلم أن الله ينقم على بلد أجراؤه أرقاء، وعماله أذلاء؛ فارعهم بعين الإحسان يرعك الله بعين الرحمة.
إياك أن تفوه بفحش القول، وإن سمعت القول فمر كريما وصن أذنيك عنه، وأعرض عن قائله، وإياك أن تعتب على قائله أو تؤنبه؛ فإن في سكوتك وعفوك عنه درسا نافعا وعظة بالغة؛ فإن الخير يصلح الشرير بخيره، ويرده عن غيه وشره.
إذا أمرك من هو أقدر منك بمعصية فاعصه؛ لأن العصيان في النقيصة طاعة للفضيلة. لا تستعن على قضاء حاجتك بالكتمان؛ فلعل فيه أذى ومضرة، وربما منع الكتمان عن الانتفاع بعملك.
Неизвестная страница