وقال لي أيضا: إن المحل الثاني الذي كسب له زبائن عديدين اضطر إلى الإفلاس بعد سنتين؛ لأن زوبعة مالية هبت في أسواق أميركا، فأثرت عليه لفرار أكثر الزبائن بالديون التي عليهم.
وعد أمامي محال عديدة، قال إنه وضع أساسها التجاري على صخر، فكان لا يكاد ينهي الأساس حتى يرغم على الترك، وما كان يغضبه بالأكثر أنهم لا يبنون على تلك الأسس القويمة إلا بنايات من لبن بدل الحجر.
مسكين عيسى الباشق! الناس تظن أنه سكير ومقامر وكسلان، ويقولون عنه: «القامة مصقولة والجيبة ما فيها فولة.» والحقيقة أنه رجل طبخ فأكل غيره، وزرع فحصد سواه، وهو يقول إن أميركا ليست للذين يهاجرون إليها بالدرجة الثانية أو الأولى، ولا الذين يعرفون القراءة والكتابة واللغات، إنها لغيرهم؛ للتجار بالصدفة والقدر!
خبزك بعرق جبينك
ثوماس كاربنتر أمي، يجهل القراءة والكتابة بأية لغة من لغات العالم، ولكنه بالرغم من ذلك يشتري جريدة من جرائد البلاد صباحا لدى ذهابه إلى عمله، ويطويها طيات فيدحشها في جيبه ويسير إلى عمله، وتبقى معه حتى يذهب إلى سريره للنوم؛ إذ ذاك يرمي بها إلى السلة أو من النافذة إلى الشارع.
وثوماس كاربنتر ليس بالإنكليزي الأصل ولا بالأميركي، بل هو سوري ابن سوريين من سلالة السوريين، ولكنه هكذا دعا نفسه بعد سنة من وجوده في أميركا، أما اسمه الأصلي فكان طنوس نجار.
هاجر طنوس وهو في العشرين من عمره، وقد وضعته الأقدار في قرية من قرى ولاية فرمونت، وهو لا يزال هناك حتى هذه الساعة يشتغل بالبيع بالجزدان، وقد كان في السنوات الأولى يسترزق من عمله في أحد المصانع الحديدية.
في السنوات الأولى المذكورة إذ كان حضرته لا يزال طنوسا ابن النجار، كان لا يريد أن يعرف من أميركا إلا سحب المصاري، فكلما توفر لديه كم ريال يذهب إلى سوري أخبر منه في ذلك البلد فيساعده على إرسال مبلغ من الريالات إلى أبويه، وظل هذا دأبه يشتغل فيساعد ذويه حتى مل العمل في المعمل؛ إذ كان يرى بعض باعة الجزدان تسوقهم الأسفار إلى ولاية فرمونت، فيحسدهم على معاشهم وحياتهم، فكان يرى نفسه أجيرا وسخ الثياب والهيئة أمام غناهم وحسن هندامهم، فلعبت برأسه سورات الطموح إلى مصافهم، وظل يعالج هذا الهم ويغالبه حتى فاز بما كان يتمناه، فترك المعمل ومشاقه، غانما نحو مائتي ريال ليبدأ بالبيع، ويستلم معارج التقدم.
أول طموح طنوس نجار إلى الارتقاء كان بشيئين؛ أولا: تغيير اسمه، وثانيا: بمشترى طقم جديد من القدم إلى الرقبة.
ومن ذلك اليوم لفظ الطموح الخواجة طنوس نجار المستر ثوماس كاربنتر، وهو لا يزال كذلك إلى يومنا الحاضر.
Неизвестная страница