ثم رأيته قد احتمل القدر الذي كان يبيع منه، داعيا إياي أن أدخل معه إلى المنزل؛ لأن وقت الشغل قد مضى، فدخلت لأعرف شيئا عما خفي علي من حاله.
وسألته: كيف أحوالك يا مصطفى؟ يظهر أن الأمور تغيرت معك.
فأجابني بتنهد عميق ولم يشأ أن يتلفظ، ولكنه قادني إلى غرفة صغيرة حيال الغرفة التي كنا فيها وقال لي: انظر، تأمل.
رأيت على الحيطان عشرة رسوم لعشرة أشخاص، وتحت كل رسم اسمه، فاقتربت من كل الرسوم لأقرأ الأسماء فإذا بها هكذا: أبو الألف، أبو الخمسمائة، أبو الستمائة، وهكذا قرأت أرقاما لأسماء تسعة من ذوي الرسوم، أما العاشر فتحته كتب هذا الاسم «أبو حواء».
فقلت، والضحك كاد يغلبني: ولكن ماذا تعني بهذه الأرقام؟ فأجابني: كل رسم دعوته بالكمية التي نصب علي بها ورحل إلى جهة لا أعلمها. قلت: ومن هو هذا أبو حواء؟
فأجاب: هو الذي خطف المرأة في الآخر، بعدما تواطأت معه على سرقة المحل الذي أقفلته الحكومة، وأشهرت إفلاسي.
قلت: فإذن أنت خسرت كل شيء يا مصطفى؟ فأجابني: نعم، خسرت كل شيء، وأكثر من ذلك خسرت شيئا لا تراه أنت. فقلت: وما هو؟ أجاب، وقد كدت أبكي لحاله: ثقتي في الجبلة البشرية!
مدنية الأميركان
لما غادر أبو راجي فلفل سوريا قاصدا أميركا، وطن النفس على ألا يعود إليها، فباع كل ما كان له من عقار وأثاث، وحمل عائلته المؤلفة من أم راجي وولدين إلى بلاد الناس.
وبلاد الناس عند أمثال أبي راجي هي أميركا؛ فإن سوريا ليست ببلاد الناس عندهم؛ لأن أميركا ذات الحرية والغنى، وأما بلادهم فبلاد الذل والخمول.
Неизвестная страница