وحدجته بنظرة قلقة وقالت: الحادث قلقلك! - طبيعي. - لقد انفعلت به أكثر مما يجوز. - بل دون ما يجب. - قلبي .. قلبي غير مرتاح. - ولا قلبي!
وتبادلا نظرة ثقيلة معتمة كالحة.
6
ترامت من الحارة أصوات متلاطمة آخذة في نقاش محتدم. ترامت من وراء النافذة المغلقة فقال عبد الله: أهل حارتنا يتبادلون الرأي في القهوة.
ومضى إلى النافذة ففتحها على مصراعيها فتدفقت الأصوات في قوة ووضوح. ذهبت هنية بالطفلين إلى حجرة داخلية ثم عادت بمفردها فجلست قبالة زوجها على الكنبة وراحا يرهفان السمع باهتمام شديد. ••• - شيخ الحارة، إنه شيخ الحارة! - هو الذي دبر الإيقاع بهما. - ولكن لم؟ - الأسباب مجهولة. - لعلها أسباب شخصية. - ويتردد ذكر أسباب غريبة. - أي أسباب غريبة؟ - أسباب لها علاقة بالسلوك! - السلوك! معاذ الله. - الإشاعات تتطاير. - اضرب لنا مثلا. - كلام قيل عن المخدرات! - المخدرات! .. من ذا يتصور ذلك؟! - بل حتى الاتجار بالمخدرات جرى به الهمس. - يا ألطاف الله! - وكلام آخر عن النساء! - ليقطع الله ألسنتهم. - الرجلان بريئان، وما هي إلا مكيدة قذرة! - أجل، مكيدة يقف وراءها شيخ الحارة. - ولكن شيخ الحارة رجل مستقيم ما عرفنا عنه من سوء. - كالخط المستقيم، كالماء النقي. - ووسائل عمله وإن تكن مجهولة إلا أنها مؤكدة لا تخطئ. - هذه مغالاة لا مبرر لها، لا يخلو الرجل من ضعف إنساني، ولا شك عندي في أنه أوقع بهما لأسباب شخصية! - اتهاماته لا دليل عليها! - كل واحد يعرف أنه لم يكن يستلطفهما. - إنه لا يستلطف آخرين فلم لم يوقع بهم؟! - لكل إنسان مزاياه ونقائصه، هذا قانون ينطبق على الإمام والمدرس وشيخ الحارة، فشيخ الحارة ليس بالإنسان الكامل ولكن الأمر لم يكن يقتضي القبض على الرجلين المحترمين. - أنا أصر على براءة الرجلين وكمالهما! - وأنا أصر على امتياز شيخ الحارة. - انتظروا، ستعرف الحقيقة عاجلا أو آجلا. - لن يغير شيء من رأينا في الرجلين. - ولن يغير شيء من رأينا في الرجل. - يا لها من بلبلة، لن نتفق على رأي. - ولكن الحق واضح. - الحق واضح. - الحق واضح. - لا اتفاق على رأي . - والتعصب رذيلة غير مجدية. - ولكنه مبرر في حال الرجلين فهما مرجع كل كلمة طيبة أو سلوك حميد في حارتنا. - وهو مبرر كذلك في حال الرجل الساهر على أمن حارتنا وسعادتها. - ولكننا حيال موقف يحتم علينا التفرقة بين الصواب والخطأ. - لا يمكن أن يخطئ الرجلان. - ولا يمكن أن يخطئ الرجل. - يا لها من بلبلة، لن نتفق على رأي. •••
ضاق صدر عبد الله بما ترامى إلى سمعه فقام إلى النافذة فأغلقها بعصبية. عادا يتبادلان النظرة المعتمة الثقيلة. وتمتمت المرأة: إنها لبلبلة حقا لا تستخلص منها شيئا. - فقال بقلق: ولكنها تعصف بالقلب عصفا. - لكل رأيه ولكن أحدا لا يستسلم للعاصفة!
فقال وكأنما يناجي نفسه: لا يمكن أن يلقى القبض عليهما لغير ما سبب! - سمعنا كل ما يمكن أن يقال. - الأمر يختلف فيما يتعلق بي!
وساد صمت لم تجرؤ على خرقه حتى عاد يقول: فأنا لم أستقر على الطمأنينة إلا استنادا إلى الثقة الكاملة بهما! - لعله من المغالاة أن نطالب بالثقة الكاملة. - لولا ثقتي الكاملة بالأستاذ عنتر لما عاودت الثقة بالشيخ مروان! - ما أكثر الذين يؤمنون ببراءتهما! - وما أكثر الذين لا يؤمنون! - من الحكمة أن تبقى على ثقتك بهما ما دمت لا تجد الدليل القاطع على إدانتهما. - ولكنها حكمة قد تقضي علي.
فتساءلت بحزن وأسى: ماذا تعني؟
لم ينبس ولكنه طالعها بوجه مكفهر. وإذا بها تهتف بحدة: أصبحت خبيرة برصد وساوسك! - وساوسي؟! - وساوس التردد وضعف الثقة بالنفس!
Неизвестная страница