[وصيته عليه السلام في ترك كثرة الضحك والمزاح]
فإياكم يابني ثم إياكم: وكثرة الضحك والمزاح، فإن الإفراط في ذلك مما لا يفعله أهل المروءة والعقل والصلاح، وكثرة الضحك والمزاح فإن ذلك لا يوجد ولا يكون إلا في أهل السخافة وقلة الدين لا فيمن اتقى وأصلح، ولم يزل الصالحون من الرسل والأنبياء وذوي الديانة من أهل المروءة والتقاء، يقل مزاحهم ولعبهم وفرحهم وطربهم، وإنما يعرف أهل اللب والعقل والصلاح والرزانة والوقار والخشوع بترك اللعب وكثرة الفرح والطرب والمزاح.
وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر ضحكه أن تبدوا ناجذاه، والناجذان فهما ما يلي النابين من الأضراس، وذلك هو التبسم لا غير في مفهوم جميع الناس.
وكانت تقول العرب في قديم الزمان: أن بني هاشم كانوا يعرفون بقلة الإنهماك في الضحك، وإن ضحكهم كان يكون تبسما تنزها منهم عن القهقهة في ضحكهم وتكرما، حتى اختلطوا بأهل المزح من الأجناس وقاربوا بالحضانة والولادة سفساف الناس، فانهمكوا في دهركم هذا مفرطين في سرف المزح والضحك، وانهتك به في مروءته من آل أبي طالب وغيرهم من انهتك.
فإياكم يابني ثم إياكم، والتمقت بكثرة المزح والفرح والضحك عند خالقكم وإلهكم ومولاكم، فإنه سبحانه يقول في كتابه فيما أدب به عباده من كريم آداب ابتداء منه بالاستحسان والرضى، قول قوم قارون لقارون فيما مضى {إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين}[القصص:76] وقال في موضع آخر من كتابه ذاما للمرحين: {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} [الإسراء:37].
Страница 91