وما معنى الخلعة؟ إنها ثوب ملبوس من ثياب ضاهر العمر أو الجزار أو عبد الله باشا يؤمر بها على البلاد من يلبسه إياها، ثم يخلعها عنه ليجلل بها أميرا آخر إذا زاد في ثمنها. والله يزيد في عمر من يزيد. ألم تكن الوظيفة على اختلاف درجاتها مفرقة الأحباب ومشتتة شمل الأصحاب؟ أليست هي التي فرقت بين البشيرين بشير شهاب وبشير جنبلاط؟ أما قال الجنبلاطي للشهابي: البلاد لا تسع بشيرين. فأجابه الشهابي: المكعوم يرحل.
ثم كانت بينهما معارك أدت إلى رحيل الجنبلاطي إلى الأبد. وبعد سنين دارت الدوائر فرحل أيضا الشهابي، وصار يعرف ببشير المالطي.
ثم كانت الفتنة الكبرى التي أطاحت بإمارة لبنان، وصار لبنان أول قطر شرقي محكوم دستوريا يلعب اللعبة البرلمانية على نطاق ضيق، ولكنها لعبة في كل حال. كان له مجلس إدارة كالمجالس النيابية اليوم، له رئيس يحاكي رئيس المجلس النيابي اليوم، أما الكلمة العليا فللمتصرف الذي تنتخبه الدول الكبرى السبع.
وتوالى على كرسي لبنان البروتوكول ثمانية متصرفين. سمعت بأخبار داود وفرنكو ورستم، وكنت وليدا في عهد واصا الذي قال فيه تامر الملاط:
رنوا الفلوس على بلاط ضريحه
وأنا الكفيل لكم برد حياته
وكنت يافعا في عهد نعوم، وعرفت السياسة وشاركت فيها في زمن مظفر. كانت الوظيفة كقطعة الشوكولا أو البسكوتة التي يرضى بها الصبي فلا يزعج البيت، ولكن ثمنها كان كاويا موجعا.
فلت الملق في عهد مظفر فأخذ يعين في الوظائف الدقيقة أصحاب السوابق المحكومين بالجرائم شرط أن يؤدوا له ولزوجته وابنه المبلغ المرقوم. وصار لكل وظيفة سعر محدود لا يحسم منه شيء لأن الإقبال على الشراء كان كبيرا جدا. جعل ثمن المديرية مائتين وثلاثمائة ليرة ذهبية عسملية، وثمن القائمقامية خمسمائة، إذا كانت صغرى كزحلة وجزين، وستمائة وسبعمائة إذا كانت كبرى كقائمقامية المتن وكسروان والبترون، وكان مهر رئاسة المحكمة 200 و300 عثمانية. وكان يؤخذ من عضو مجلس الإدارة 400 ليرة ذهبية ليوصلوه إلى الكرسي، كما جعل ثمن مديرية مال المتصرفية 300 ليرة.
كانوا يعينون وظائف الجندية تعيينا، ولهذا جعلوا لكل رتبة تعريفة إذا لم يتقدم راغب. إن الثمن لا يكون إلا بالمئات الرنانة الطنانة. البكباشي بمائتين واليوزباشي ب 150، ثم ارتفعت الأسعار بسبب رواج السوق فصارت بثلاثمائة وأكثر، والقائمقامية الكبرى بألف، ورئاسة مجلس الإدارة بألفين.
وانتحل المتصرف مظفر سلطة منح لقب بك، فأنعم به على كل من يدفع، ولما درت إسطمبول بهذه الحركة كدرت المتصرف، فأصدر أمره بأن هذه الألقاب أطلقت سهوا وأنه ألغاها، فعاد البك باش بزق.
Неизвестная страница