والمثل يقول أيضا: الماء لا يمر على عطشان، أفلا يطبق هذا على البلاد التي تمر فيها خطوط كهرباء نهر البارد؟ أتمر بأرضنا ولا نقضي غرضنا؟ حقا إنها حالة بعيدة عن العدالة الاجتماعية. إن حالة القرية والحكومة كحالة رجل كثرت بناته فهو لا يكسو ويجهز منهن إلا التي هي على أبواب الزواج. رضينا يا سادة أن نلبس ثياب أختنا الكبيرة ولكن أين هي؟!
ففي سنة 1951 صدر قرار بمد خطوط التلفون إلى قرانا، وتقرر مدها حتى كلفت بتقديم طلب تلفون خاص لبيتي بتاريخ 9 حزيران، فقدمته وسجل في المديرية تحت رقم 2062 ثم كان المطل، فراحت وزارات وجاءت وزارات ولم يشد أزرنا أحد. وأخيرا قالوا: لا نجد المعدات قبل مد التلفون الآلي في العاصمة والمدن الكبرى، فقلنا: رضينا أن نلبس ثياب أختنا العتاق، ولكن أين هي يا جماعة؟
أيظل كل شيء حبرا على ورق، أنظل نسقيك بالوعد يا كمون؟
أليس على الرعاة أن يعنوا بالقطيع، إن لم يكن عدلا أو رحمة فعلى الأقل حرصا على المنفعة. فمن يغذي المدن غير القرى، ومن يغذي الميزانية غير هذا الشعب المسكين المحروم، ومن ينتخب الذين يحكمون سعيدا، غير أبي اللبادة والسروال؟
إنهم يتغنون بالقرية ويقول شاعرنا العامي: مشتاق أرجع عالضيعة مشتاق كتير.
خفف قليلا من غرامك يا شاعري الحبيب، فالضيعة لم يبق فيها أحد غير العاجزين والعاجزات، أما شبابها وبناتها فصاروا في المدن خدما وخادمات، وموظفين وموظفات. إنهم معذورون فما تركوها إلا غصبا عن رقابهم، لأن رزقهم فيها مقطوع.
إن مشهد هذه الأعمدة الجبارة المنتصبة قبالة وجهي قد زاد بلائي بلاء، فهي كأنها أصابع تنتصب أمام عيني قائلة: إني أمر بأرضك غصبا عن رقبتك ولا أجود عليك بضوء شمعة.
إننا لا نتعزى في هذه الحالة إلا بقول يسوع: من له يعطى ويزاد ومن ليس له يؤخذ منه الذي له. ولكن ابن القرية هو العامل والكادح ليلا نهارا، وليس بالعبد البطال ليخرج إلى الظلمة البرانية.
قالوا: الجوع كافر، عندما كان يكتفي الإنسان بالقوت. أما اليوم فقد صارت هذه الضروريات أشد كفرا من الجوع. أنعجز عن استدعاء الطبيب إذا أصاب أحدنا عارض، والتلفون مقرر منذ سنوات؟ لقد شبعنا وعودا من أناس أرخص شيء عندهم النفوس. اسمعوا يا سادة. على أرجلنا نمشي. ومثلما عاش جدودنا مستضيئين بالفانوس نعيش، أما التلفون فلا غنى لنا عنه. إن عزرائيل متى طرق الباب لا ينتظر الجواب، ولا يمكن أن يؤخر أو يستمهل، فإما أن تضعوا في كل قريتين طبيبا ندعوه عند الحاجة، وإما أن تعدوا لنا التلفون، ونحن لا نكلفكم مئونة تطبيبنا.
كثيرا ما سمعنا بالنقطة الرابعة، أفلا تنعمون علينا بنقطة من هذه النقطة لنرى وجه ربنا ونموت على ضوء؟!
Неизвестная страница