وكأنما قرأ أفكاري، قال لي الطالب، ونحن ندلف إلى إحدى الغرفتين في الشقة: «لقد سافر أغلب الطلاب إلى أسرهم في الولايات بعد أن توقفت الجامعة مع بدء الانتفاضة، فكلنا قادمون من ولايات خارج الخرطوم.»
سألني عما أريد شربه، فشكرته بحرارة على لطفه واعتذرت، فغادرني بابتسامة لطيفة متعللا ببعض الأشغال الخاصة.
رحت أقلب بصري في المكان، كانت غرفة كأي غرفة أخرى، ضيقة قليلا، مع رائحة عطن خانقة كريهة كرائحة الأحذية تفوح في المكان. وبدا غياب اللمسة الأنثوية واضحا للعيان، فقد كانت في قمة الفوضى. الملابس الداخلية والقمصان والجلاليب معلقة على مسامير دقت في الحائط كيفما اتفق، الأحذية متناثرة في كل مكان، علب الطعام الفارغة، وقوارير الماء والكولا، وبقايا السجائر، وأكياس التمباك، تزين أرضية المكان، ومجموعة من حقائب السفر كبيرة الحجم تكدست كيفما اتفق تحت الأسرة ذات الطابقين.
هناك رسوم منحوتة على الحائط الإسمنتي، لقلوب تخترقها سهام تنقط دما، ووجوه دامعة حزينة لشخص يحاول برهنة موهبته في الرسم، مع بعض الأبيات الشعرية عن معاناته وعذابه بعد فقد المحبوبة.
هناك عبارات ركيكة نحويا كتبت بالحبر الجاف على الحائط، تعبر عن حالة الكاتب الوجدانية، وتقلب مشاعره في الأزمنة المختلفة. «زيكراء خالدة مين ود قلبا، يوم الأحد الموافق ...» «تحياتي لي من دمر حياتي»، «ياء قلبي المعزب بهجر الحبيبة» ... إلخ.
وبعض العبارات الرنانة الأخرى التي تستجدي عمقا لا تحتويه.
برغم ضيقها (الغرفة) يسكنها ستة أشخاص، بحسب عدد الأسرة المزدوجة، أزحت بعض الأوراق والكتب الدراسية المتناثرة في السرير السفلي وجلست على طرفه، وأنا أنظر لساعتي.
سألت نفسي: ماذا تفعل يا دكتور جمال؟
لقد مات الفتى، وانتهى ذلك الفصل من حياتي، فما الذي أريد تحقيقه بالضبط؟
والسؤال الأهم: لماذا أفعل هذا؟
Неизвестная страница