قال لي «عمار» بسخرية من وسط دموعه التي غطت وجهه فعليا: «قالوا إنهم كانوا يكبرون ويهللون، وهم يتناوبون على اغتصاب النساء، هل تعلم هذا؟ قالوا إننا كفار وأنجاس؛ لأننا نثور على حكومة التوحيد في الخرطوم، قالوا إننا لا نصلح سوى لتربية الماشية، وتقديم النساء لمجاهديهم حتى يعلوا راية الله.»
قلت له في هدوء: «هم لا يمثلون الله أو الدين، لقد استخدموا الدين كمطية لتحقيق أهدافهم في الحكم وتمكين أنفسهم، نطقوا باسم الله لخداع البسطاء، حتى في مجالنا ستجد بعض الانتهازيين الذين يستغلون الطب النفسي؛ ليتلاعبوا بالناس خدمة لمصالحهم الشخصية، لكنك لن تلوم علم النفس، ستلومهم هم.»
قال في مرارة: «ولماذا لا يتدخل الله؟ لماذا يسمح لهم بالتلاعب بدينه؟ لماذا لم يتدخل لإنقاذ أمي، وهم يغتصبونها ثم يرمونها بالرصاص في قلب الصحراء كالكلب الأجرب ؟ لماذا لم يمنعهم من ذبحنا؟»
ومن بين عينيه الدامعتين تبدت نظرة احتقار لم أدر سببها، وقال وكأنه يبصق: «بعضهم احتمى بالمسجد عند القصف. ظنوا أن قدسية بيت الله ستحميهم منهم، لكنهم قصفوهم في مسجدهم. إنه لم يستطع حتى حماية من كانوا في بيته يبتهلون له لينجيهم.»
ثم انفجر في البكاء، وهو يغطي وجهه بكفيه، وقال وهو ينشج: «سأفعل أي شيء؛ حتى أراهم مرة أخرى.»
كنت أنظر له في صمت.
كل هذا التجاذب بين مشاعر الغضب والحزن!
لكنني كنت أتفهم موقفه على أية حال. لقد ظل يكبت كل هذه المشاعر في داخله طوال سنوات. إن غضبه ما هو إلا انعكاس لحزنه العميق تجاه ما حدث وعجزه عن فعل شيء في وقتها لمساعدة أحبائه، كلاهما وجهان لنفس العملة، حزن تراكم داخله على مدى سنين الكبت، حتى تحول لغضب عارم تنامى في لاوعيه كجني ثائر ظل محبوسا لسنوات ينتظر أن يخرج من قمقمه، وعندما يخرج سيحطم كل شيء في طريقه، إن الشيء الصحيح الآن أن يقوم بتصريف كل مشاعر الحزن المكبوتة في داخله، لا بد من تطهير دواخله؛ حتى يصل إلى مرحلة القبول والتصالح مع ما حدث.
إن نموذج «كيبلر روث» يصف خمس مراحل يمر بها كل من ابتلي بمحنة في حياته، تبدأ من الرفض القاطع وعدم التصديق، ثم الغضب والثورة على من كان متسببا له في محنته، ثم المساومة والمفاوضة مع القوى العليا - الله - التي يراها سببا رئيسيا فيما يمر به، حتى الاكتئاب والتقبل كآخر مرحلة.
إنه يتنازع بين ثلاثة المراحل الآن في نفس الوقت، يرفض ويغضب ويساوم، ويتقلب بينهم في سرعة شديدة مع هيجان واضطراب مشاعره.
Неизвестная страница