قالت من بين ضحكاتها، وهي ترفع طرف ثوبها وترمي به على كتفها لينزلق ويسقط مجددا: «لم يلمسني رجل في حياتي غير المرحوم جوزيف، الله يرحمه، كان شديدا لا يكل ولا يمل من هذا الشيء، لا يوجد رجل مثله، فلا تضع نفسك في رهان خاسر، واحتفظ ببضاعتك التي تشبه بضاعة الأطفال تلك، ولوح بها في مكان آخر بعيدا عني.»
قال «إبراهيم» في خشوع: «الله يرحمه.»
وأضاف بسرعة، بعد أن تلاشت هالة الخشوع من على وجهه في لمح البصر: «لا بد أنه مات لأنك اعتصرته حتى آخر قطرة. أعرف نساء الدينكا جيدا، يحببن الجنس أكثر من حبهن لأولادهن. صدقيني لولا أنك في مقام والدتي يا ميري؛ لكنت فعلت بك شيئا بذيئا منذ العام السابق، لكنني شاب متدين أخشى الله، وأخشى أن تدمني الصنعة بسببي، وأحمل ذنبك في رقبتي ما حييت.»
واختلطت ضحكته المجلجلة بضحكتها المبحوحة المسترسلة، ثم مسحت دموع الضحك من عينيها بطرف ثوبها، وقالت، وهي تحمل آنية فضية بها أكواب شاي، لتقدمها لبعض الزبائن: «استغفر الله، جنا فور مجنون، خليني استرزق.»
ابتسم «إبراهيم» ساخرا، وهو يشعر بالرضا عن نفسه، بعد أن استشعر بعض الخجل في ردها، أن يجعل «ميري» سليطة اللسان التي تتحدث وتشتم ببذاءة طوال الوقت، وتستجلب سيرة الأمهات في شتائمها دوما تشعر ببعض الخجل، لهو إنجاز تاريخي بكل المقاييس، يجب أن يجد مكانه في الصفحات الأولى من الصحف المحلية والعالمية، لو كان هناك عدل في هذه الدنيا. فقط عليه ألا ينسى أن يحكي خبر انتصاره للشلة في يوم ما عندما يلتقيهم، سيضحك عبد الرحمن كثيرا، وسيكذبه سعيد كالعادة لكنه لن يهتم، يعرف كيف يجعل القصة أكثر تشويقا وإثارة للانتباه.
والتفت إلى «عمار» الذي ظل صامتا طوال فترة جلوسهما، متسائلا عن سبب صمته، لكن هذا كان يحملق تجاه بوابة الجامعة في تركيز.
كانت تلك الفتاة تقف أمام الباب في ارتباك واضح، وهي تبحث في حقيبة يدها، ثم تخرج هاتفا محمولا وتحاول الاتصال بشخص ما، بدا واضحا أن محاولاتها لم تكن موفقة من أثر الانزعاج الذي اعتلى وجهها وهي تحاول تكرار الاتصال عدة مرات.
أطلق «إبراهيم» صفيرا قصيرا منبهرا، وكذا فعلت «ميري»، ثم ألحقته بعبارة غزل فاحشة.
التفتت الفتاة ناحيتهم فجأة فدفن كل منهما وجهه في كوب الشاي بسرعة، وتظاهروا بأنهم منشغلون في شيء ما، وعندما رفع «عمار» عينيه مجددا رآها قادمة ناحيتهما تمشي على استحياء.
فتاة دقيقة الحجم هي، ذات جسد نحيف نوعا ما، مكتنز من وسطه، تحكم لف طرحتها حول وجهها حتى أخفت ذقنها داخلها، وإن سمحت لبعض الخصلات من شعرها المصفف بعنايه بالانزلاق قليلا من طرف الغطاء المحكم، تحمل شنطتها النسائية على كتفها، وتضم كتابا ما على صدرها بكلتا يديها. بدا له شكلها طفوليا جدا وقتها . أما أكثر ما شد انتباهه فقد كان عينيها اللتين تطلان على الوجود من خلف نظارة طبية أنيقة بلا إطارات.
Неизвестная страница