توقف «إبراهيم» عن مواصلة السرد، ورمى بزجاجة الخمر الفارغة، ثم أخرج ثالثة من خلف الإطار الذي يجلس عليه.
بدا لي أن الجملة الأخيرة التي نطق بها قد أثرت عليه بشكل خاص، فقد ظل ساهما للحظات، وهو يفتح القارورة ويسكب محتوياتها في الكوب بطريقة آلية.
سألته: «وماذا حدث بعد هذا؟»
ظل صامتا للحظات، وقال وهو يهز الكوب في رفق، دون أن ينظر لي: «أخبرتهم بأنه سيكون في الميدان غدا.»
قلت له مشجعا: «لن أستطيع أن ألومك حقا، لربما فعلت نفس الشيء لو كنت في مكانك.»
نظر لي ساهما، وبدا واضحا أن كلامي قد منحه شيئا يتشبث به، سألني: «حقا؟» - «بالتأكيد. لقد وجدت نفسك في موقف شديد الحساسية، إما هو أو أسرتك. أستطيع تفهم خيارك الذي اتخذته بعد كل شيء.»
هز رأسه في بطء ساهما، وكأنه يؤكد على كلامي، وجرع جرعة سخية من الشراب. عيناه الحمراوان تتلألآن بغشاء دموع رقيق يعكس الأضواء الخافتة المتناثرة من البيوت المحيطة بنا، وقد ارتسمت على ملامحه الأنثوية تقاسيم تشي بعمق ما يعانيه، يحملق في وجهي وهو لا يراني، ينظر خلالي إن صح التعبير، بدا واضحا أنه يرى ذكرياته ماثلة أمامه في تلك اللحظة. قال: «أتمنى أن أستطيع تبرير نفسي بما تقول، لكنني لا أصدق هذا، كان بإمكاني إيجاد حلول أخرى، لو لم يشل الخوف تفكيري إلى هذه الدرجة.»
على أية حال، خرجنا بعد صلاة الجمعة في مجموعات صغيرة، واتجهنا إلى ميدان الرابطة في شمبات، كان المتظاهرون بالمئات، وخلال ساعات تدفق المزيد والمزيد.
ارتفعت عشرات اللافتات المنددة، وتعالت مئات الأصوات، ومن مكان ما ظهر أحدهم يطلق بعض الهتافات، وتبعه البقية يرددون الهتاف ويتبعونه بتصفيق إيقاعي قصير منتظم. «حرية»، «حرية»، «حرية».
كنت أنا و«عمار» و«محمود» ومجموعة كبيرة من زملاء الجامعة نتوسط التجمع ونردد الهتافات. وفي لحظات أحاطت قوات الأمن بالميدان وبدأت قنابل الغاز تتساقط على الجميع كالمطر.
Неизвестная страница