كانت عازفة الأرغن تعزف مقطوعة أعرفها جيدا؛ فلدي صديقة، في فانكوفر، قد عزفتها في إحدى الحفلات الموسيقية في عيد الفصح. إنها مقطوعة «أيها المسيح، يا فرحة رغبة الإنسان.»
كانت السيدة التي تعزف على آلة الأرغن هي عازفة البيانو في الحفلة الصغيرة التي أقيمت في المنزل ولم تكتمل، وكان عازف التشيلو يجلس في أحد مقاعد الجوقة بالجوار، وربما كان سيعزف إحدى المقطوعات لاحقا.
بعدما جلسنا ننصت لفترة شعرنا ببعض الجلبة في خلفية الكنيسة. لم أدر رأسي كي أعرف مصدرها لأنني لاحظت لتوي الصندوق الداكن اللون الخشبي اللامع الذي كان موضوعا بالعرض أسفل المذبح مباشرة؛ النعش، وكان بعض الناس يطلق عليه التابوت. وقد كان مغلقا. لم يكن علي أن أشعر بالقلق حيال النظرة الأخيرة على الجثمان إلا ريثما يفتحونه، ومع هذا تخيلت شكل مونا بداخله؛ بأنفها الضخم البارز الذي يشير قليلا إلى أعلى، وجسمها وقد نحل تماما، وعينيها المغلقتين. رحت أثبت تلك الصورة جيدا في مخيلتي حتى شعرت بدرجة من القوة كفيلة بأن تمنعني من الشعور بالغثيان.
ولم تدر الخالة دون رأسها هي الأخرى مثلي كي ترى ما الذي كان يدور خلفنا.
كان مصدر ذلك الإزعاج الطفيف يأتي من الممر الجانبي، وتبين أن العم جاسبر هو المتسبب فيه. لم يتوقف عند المقعد الذي كنا نجلس فيه أنا والخالة دون حيث احتفظنا بمكان له؛ مر بجوارنا بخطى وقورة لكنها عملية، وكان بصحبته شخص ما.
الخادمة برنيس التي كانت في كامل زينتها، وقد ارتدت بذلة بلون أزرق داكن وقبعة بنفس اللون مزركشة ببعض الورود. لم تكن تنظر نحونا أو باتجاه أي شخص، وقد احمرت وجنتاها وأطبقت شفتيها.
ولم تكن الخالة دون أيضا تنظر نحو أحد؛ فقد انهمكت في تلك اللحظة في قلب صفحات كتاب الترانيم الذي أخذته من جيب المقعد الذي أمامها.
لم يتوقف العم جاسبر عند النعش؛ فقد كان يقود برنيس نحو آلة الأرغن. كانت هناك دقات عالية غريبة تثير الدهشة في الموسيقى التي تعزف، ثم تبعتها نغمات خافتة، ثم ما لبثت أن توقفت، وبعدها ساد الصمت فيما عدا الأصوات الصادرة من بعض الأشخاص الذين كانوا يتحركون ببطء ويحاولون الإصغاء لما يدور في القاعة.
اختفت الآن عازفة البيانو التي كانت تعزف على الأرغن وكذلك عازف التشيلو، لا بد أن هناك بابا جانبيا قد خرجا منه. أجلس العم جاسبر برنيس مكان المرأة.
وبمجرد أن بدأت برنيس في العزف، تحرك عمي للأمام، وأشار إلى الجمع في القاعة. كانت هذه الإيماءة تعني أن ينهضوا ويشرعوا في الغناء، وقد فعل عدد قليل منهم بالفعل ما أراد، ثم زاد عددهم إلى أن أصبح الجميع يغني.
Неизвестная страница