أما الأمر الثاني الذي كنت أقضي فيه وقتي فمطالعة الكتب. ومن أحسن ما قرأت في هذه الفترة كتب ثلاثة مختلفة الأنواع والألوان، كتاب تاريخ الفلك عن العرب للأستاذ نللينو، قرأته بإمعان واستفدت منه كيف يبحث كبار المستشرقين، وكيف يصبرون على البحث، وكيف يعيشون في المادة التي تخصصوا فيها، وكيف يسيرون في بحثهم من البسيط إلى المركب في حذر وأناة فإذا قلت إنني استفدت منهج البحث من هذا الكتاب لم أبعد عن الصواب.
والكتاب الثاني أصول الفقه للشيخ الخضري، كنت قرأت بعضه وأنا طالب، فأعدت قراءته على شكل آخر أطبق في قراءته ما استفدته من عاطف بك بركات من حرية في النقد وإعمال العقل فيما يقرأ، فكنت أقرأ الفصل وأديره في ذهني وأتساءل: هل هذا حق أو باطل وخطأ أو صواب؟ فإن كان خطأ فما وجه الصواب؛ وأكتب في آخر كل فصل رأيي فيه ونقدي له.
وأما الكتاب الثالث ففي الأدب وهو ديوان الحماسة وشرحه. أقرأ القصيدة أو المقطوعة وأعرف معنى ألفاظها اللغوية ومعنى البيت في الجملة، ثم أعيد قراءته، وما استحسنته من الديوان حفظته.
وفي هذين الأمرين كانت سلواي.
وبعد ثلاثة أشهر بينها إجازة شهر جاءني كتاب من محكمة أسيوط الشرعية، يخبرني بنقلي من القضاء إلى مدرس بمدرسة القضاء.
الفصل السابع عشر
عدت إلى مدرسة القضاء كما كنت، ودرست كما كنت أدرس، أهم دروسي الأخلاق، وبجانبها فقه أو تاريخ أو منطق.
وأحسست ثانية حاجتي الشديدة إلى لغة أجنبية، فدروسي في الأخلاق مصدرها مذكرات عاطف بك التي نقلها عن الإنجليزية، وأنا شيق إلى أن أتوسع فيها، ومن حولي من الأساتذة العصريين يستفيدون أكبر فائدة في مادتهم التي يحضرونها من اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، وقد أخفقت في تعلم الفرنسية، فلأجرب حظي في الإنجليزية.
ويوما قابلت صديقي أحمد بك أمين، وجلسنا في مقهى، وذهب الحديث فنونا إلى أن وجدته يقول إنه عثر على كتاب إنجليزي قيم لمستشرق أمريكي اسمه مكدونالد
1
Неизвестная страница