Жизнь и интеллектуальное движение в Британии
الحياة والحركة الفكرية في بريطانيا
Жанры
وقد نشرت هذه اللجنة كتابا صغيرا قيما، جدير بأن يطلع عليه جميع السياسيين من أنصار الحكم النيابي، تناول فيه كل عضو من أعضاء هذه اللجنة بالبحث والتمحيص عيوب النظام النيابي كما يطبق في معظم البلاد، وما يلزم من التعديلات في أسس هذا النظام وفي طرائق تطبيقه؛ ليكون أداة للحكم الصالح.
ويمكن تلخيص الانتقادات الموجهة إلى الحكم النيابي في النقط الآتية : (1)
بطء الحكومة النيابية بصورة لا تتفق مع روح العصر ومع ما تستدعيه كثرة المسائل المعقدة المتنوعة التي تواجهها الحكومات الآن من سرعة البت ثم سرعة التنفيذ. (2)
رغبة أعضاء المجالس النيابية المتزايدة - بما لهذه المجالس من حق المراقبة على أعمال السلطة التنفيذية - في التدخل في شئونها إلى حد بعيد، وما يترتب على ذلك من إضعاف سلطة الحكومات. (3)
كثرة الأحزاب والجماعات السياسية ذات المصالح المتناقضة، وما ترتب على ذلك من عدم إمكان تأليف حكومات قوية معمرة في أكثر بلاد الحكم النيابي.
هذه هي العيوب الرئيسية التي يستند إليها أعداء هذا النوع من الحكم في دعايتهم الواسعة النطاق، والواقع أن في أقوالهم كثيرا من الحق، وهي مستمدة من الفساد الحقيقي الذي تطرق إلى نظم الحكم النيابي في بلاد كثيرة في العهد الأخير، ولكن أنصار الديمقراطية والنظم الدستورية لديهم جميع الأدلة التي تدعم حجتهم وتعزز وجهة نظرهم في أن النظم الدستورية متى فهمت على حقيقتها، وطبقت بروحها الصحيح كانت خير نظم الحكم، وأنها ليست أقل كفاية من الدكتاتورية في تنظيم الشعوب والعمل على رخائها ورفاهيتها، وأن الديمقراطية الصحيحة المنظمة ليست إبان الأزمات أقل من الدكتاتورية حزما وعزما وسرعة، وليست أقل منها مقدرة على الكفاح؛ فقد نجح الحكم الدستوري في إنكلترا وقت السلم ووقت الحرب، واستطاعت إنكلترا أن تساير روح العصر في جميع نظمها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وأن تجوز كل أطوار التقدم الحديث بنجاح.
وقد دخلت بريطانيا العظمى الحرب الحالية وهي في ظل النظم الدستورية، ومع أنها تخاصم عدوا قويا جبارا يحشد لقتالها أعظم القوى المدمرة، وتواجه أعظم الأخطار التي عرفتها في تاريخها؛ فإنها لم تفكر لحظة في أن تغير نظام الحكم فيها، ولا أن تنزل عن نظمها الدستورية العريقة، وما زال البرلمان الإنجليزي قائما تحت وابل القنابل وأزيز الطائرات المغيرة يناقش ويبحث ويقرر، ولم تفقد الديمقراطية البريطانية ساعة الخطر الداهم شيئا من حزمها وشجاعتها ومتانة أعصابها، ولم تنقصها سرعة البت في أعظم المسائل وأجلها، وما زالت إنكلترا معقل الديمقراطية التي يتحطم على صخرته كل اعتداء ، وما زالت تبذل مع الإمبراطورية البريطانية لمكافحة عدوها جهودا رائعة تثير كل إعجاب.
ولا ريب أن بريطانيا العظمى لم توفق إلى تحقيق هذه النتائج العظيمة التي أحرزتها في ظل الحكم الدستوري سواء في الماضي أو في الحاضر في أدق مرحلة من مراحل تاريخها؛ لأنها تدين فقط بالمبادئ الديمقراطية، وتحتكم إلى الأنظمة الدستورية؛ بل لأنها بالأخص قد استطاعت على ممر الأجيال أن تفهم روح النظم الديمقراطية الصحيحة، وأن تطبقها بأفضل الصور التي تحقق الغاية من تطبيقها، فنظام بريطانيا العظمى هو أحسن مثال لما يسمى «بالملكية الدستورية» وأساس هذا النظام أولا وآخرا: «سلطان الشعب» ومن دقق النظر من نواحي هذا النظام المتعددة سواء في الإدارة الداخلية أو في القضاء أو في سائر مظاهره الاجتماعية رأى هذه النزعة الديمقراطية بارزة متغلغلة في جميع أسسها ونواحيها.
والدستور البريطاني وهو أقدم دساتير العالم يخالف جميع الدساتير المعروفة في أنه ليس بدستور مكتوب، بل هو مزيج من تقاليد سياسية ترتبت عليها حقوق مكتسبة، ومن نصوص تشريعية تقررت في عهود مختلفة، ولهذه التقاليد في نظر جميع الساسة البريطانيين احترام القانون.
وبالرغم مما يكنه الإنجليز لدستورهم من الاحترام العميق، فإنهم لا يعتبرونه كتابا مقدسا، ولا يرون بأسا من تعديله بالتفسير والقرارات الجديدة، وقد صيغت القوانين الدستورية البريطانية دائما في صيغ مرنة، يمكن أن تفسر وفقا لمختلف الظروف والأحوال، وأن تتمشى دائما مع روح العصر؛ ولهذا استطاعت إنكلترا دائما أن تسير في ظل قوانينها الدستورية إلى الأمام، وأن تتقبل جميع الانقلابات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية، وأن تحقق مطالب الحياة العصرية دون مشقة، ولم تجد في معظم الأحيان صورة لإجراء تعديلات كثيرة في قوانينها الدستورية كما يحدث عادة في البلاد الديمقراطية ذات الدساتير المكتوبة، أضف إلى ذلك أن تعديل الدستور الإنجليزي يتم بقانون عادي يقبله البرلمان بأغلبية عادية، فلا يحتاج تعديل الدستور الإنجليزي إلى تلك الإجراءات المعقدة التي تلجأ إليها الحكومات النيابية الأخرى، والتي تجعل التعديل أمرا شاقا بل أمرا يكاد يكون مستحيلا.
Неизвестная страница