Жизнь Востока: страны, народы, прошлое и настоящее
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Жанры
بيد أن المجوسية هي أولى الديانات المعروفة لنا وقد ظهرت في بلاد الفرس، وهم يعتقدون بوجود إلهين: أحدهما نور ومبدأ الخير ويسمونه أورمزاد أو يزدان، والثاني ظلام ومبدأ الشر ويسمونه أهرامان أو أهرمن، وهما في نظر فقهاء المجوسية متماثلان في الأزلية والقوة ولكن بينهما عداء ومعاندة ، فإذا كثرت الشرور في العالم كان الغالب أهرامان وإذا ظهر الخير وانتشر كان الغالب أورمزاد.
وقد انقسم المجوس عدة فرق، منهم الكيومورتية أصحاب كيومرت الذي يقال إنه آدم، والرزوانية والزردشتية أصحاب زردشت بن بيورشت، والثنوية وهم الذين ثابروا على الاعتقاد بإلهي الخير والشر، والمانوية والمزدكية والبيصانية والفرقونية وأصحاب مذهب التناسخ، ومنهم من أنكر الشرائع والنبوات وحكموا العقل وزعموا أن النفوس العلوية تفيض عليهم الفضائل. وأهم هذه الفرق فرقة زرداشت، لأنه كان موحدا وأنكر إلهي النور والظلام وأن الشرور توجد في العالم صادرة عن طبيعة المخلوقات اللازمة كالظل الذي يصدر عن الأجسام ضرورة وأنها لا تزال حتى نهاية العالم، فيقوم الأموات ويحاسب كل إلى عمله، لأن الله خلق ملكا للنور وآخر للظلام، وأن يوم نهاية العالم وهو يوم الحساب يذهب ملك الظلمة وأتباعه إلى مكان فيه ظلام وعذاب، وأن ملك النور وأتباعه يمضون إلى مكان فيه نور وهناء دائم فلا يرون الشر إلى الأبد.
وقد توفي زردشت هذا في القرن الخامس قبل المسيح، ولا يزال هؤلاء المجوس في العالم إلى الآن وهم عبدة النار المقدسة، وقد اضطهدوا في وطنهم الأصلي فرحلوا منذ ألف سنة إلى الهند وهم طائفة البارسي الموجودون في بومباي، وقد قام منهم أفذاذ مجاهدون خدموا المسألة الهندية في الهند وفي أوروبا، ومنهم مدام كاما
2
الشهيرة التي جاهدت في سبيل بلادها في أمريكا وأوروبا وأسست جريدة «باندي ماترام» وأنفقت ثروتها في قضية الهند وعاشت عيشة الزهد والتقشف في لندن وباريس وسويسرا، وتوفيت منذ بضع سنين في السبعين من عمرها. وهم الذين يلقون بموتاهم في «برج الصمت» حتى تأكلهم الطير وتسقط عظامهم في بئر هناك، وقد حدثنا أحد أدباء الفرس أن للمجوس بقية في بعض جبال إيران ولا يزالون على عبادتهم الأولى خفية.
وبعد المجوس ظهر الصابئة أو الكلدان، وهم أول من عبد الأصنام وسجد لها بعد عبادة الأجرام السماوية. وهؤلاء يعتقدون أن لنفوس العظماء من الموتى كرامة عند الله كالوسطاء بينه وبين خلقه، وانتقلوا من هذه العقيدة إلى عبادة الملوك والأبطال والأسلاف كما تصنع اليابان في هذا الزمان. وأحد ملوكهم نيقوس الذي شيد مدينة نينوى التي كانت إحدى حواضر بابل وآشور، وقد علا نجم هذه الطائفة في أوائل القرن الحادي عشر قبل المسيح 2050، وكان إبراهيم الخليل من هذه الطائفة ولكنه ثار عليها وخرج على أبيه الذي كان من صناع الأوثان وعبادها، ومن طوائفهم الحنفاء القائلون بأن الروحانيات منها ما وجودها بالقوة ومنها ما وجودها بالفعل، فما هو بالقوة يحتاج إلى ما يوجده بالفعل، وعلى قول ابن خلدون يقر هؤلاء الحنفاء بنبوة إبراهيم وأنه منهم.
والذي يهمنا من أمر الصابئة أنهم أول من قال بالنبوة، فقال أحد أئمتهم بيدان بأن من يدرك عالم الأرواح فهو نبي، وأن النبوة من أسرار الألوهية، وكلا المجوس والصابئة لم يعبدوا الشمس أو الأصنام إلا لاعتقادهم بأنه سبحانه يسكن الأولى ويحل في الأخيرة.
ثم ظهرت تقاليد وسنن كلدانية وفريجية ويونانية وفارسية وصينية وهندية وأمريكية (الهنود الحمر) ومكسيكية، وكلها مجمعة على أن الإنسان قد أنذر بالطوفان، وأن الطوفان كان عقابا للإنسانية على ما ظهر منها من الشر ولم تنج من الغرق إلا أسرة واحدة، وأنها نجت على فلك مشحون فيه صنوف من الحيوان والطير والدواجن وبلغ جبلا عاليا، واستدل على ذهاب الطوفان بالحمامة، وأن الجنس البشري تجدد من نسل واحد، وهو بلا ريب عين الخبر الوارد في التوراة.
البراهمة
وبعد أن حبطت زوبعة الطوفان ظهر الفينيقيون القدماء، فأخذوا بأطراف من عقائد الصابئة فعبدوا الأجرام السماوية والأصنام، وعبد العرب في الجاهلية على طريقة المجوس ثم عبدوا الأصنام والتوتيم. وظهر المصريون القدماء بمدنيتهم العظيمة وعلومهم الباهرة، ولكنهم أخذوا عبادتهم عن الصابئة والعرب الأقدمين، وتاريخهم الديني معلوم لنا بقراءة تاريخ بلادنا ومشاهدة آثارها.
Неизвестная страница