Жизнь Востока: страны, народы, прошлое и настоящее
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Жанры
وحدثت حروب عظيمة ووقائع فظيعة قتل فيها عدد كبير من المسلمين، ودب الشقاق بينهم.
وفي هذه الأثناء قام رجال كمعاوية يناوئون عليا وانتهزوا فرصة انشغاله بفتنة السيدة عائشة والتمسوا سم الخياط ليدخلوا منه، وكانت الحروب والتحكيم والحيل والمخادعة، ثم ظهر شبح القتل السياسي ثانيا في صدر الإسلام فقتل علي ونجا معاوية وعمرو، وبذهاب علي على هذه الصورة المحزنة قضي على نظام الانتخاب الحر في تعيين الخليفة، لأن معاوية أخذ الخلافة بالقوة والحيلة كما لو كان أحد أمراء الشرق أو أمراء إيطاليا في القرون الوسطى.
لا أنكر أن الدولة الأموية كانت أعظم دولة في الإسلام وأن الفتوح التي تمت في عهدها كانت أعظم الفتوح وأجلها، ولكن ما قيمة الفتوح وأخذ الممالك وانتشار صولة الدين في جانب ضياع المبدأ الذي كان يضمن سلامة الإسلام إلى الأبد، وهو مبدأ انتخاب الخليفة انتخابا عاما حرا؟ لقد قضى معاوية بدهائه ومطامعه على هذا المبدأ، وأخذ يحصل من رعاياه على مبايعة ولده، وهكذا أخذ كل خليفة يكره الناس على مبايعة ولده، حتى إذا ظهر رجل قوي حيال ولي عهد ضعيف قضى عليه وأجبر الناس على نقض البيعة.
وعاد العباسيون إلى الخطة الأولى، فنادوا بقرابتهم واستعملوا أبا مسلم الخراساني للدعوة لهم في العراق حتى نجحوا فتخلوا عن السبب وأسسوا دولة على السيوف والرماح ... وهكذا.
بيد أنك ترى الأمر في الغرب على خلاف ذلك، فأول ما يفكر فيه الشعب هو تأسيس نظام الدولة وضمان سياسة الأمور بالعدل، لأنه مهما كان الرجل الرشيد الذي نمجده اليوم عظيما وعادلا ورحيما ومحبا للإنسانية ولوطنه، فنحن لا نضمن ابنه ولا حفيده.
ولا أنكر أن بعض المستبدين الأقوياء قاموا في أمم الغرب وأسسوا دولا بالقوة والخداع، ولكنهم كانوا من الشواذ والاستثناء، والقاعدة العامة اختيار الأصلح، أما في الشرق فقد كانت القاعدة هي الاستبداد ومجيء الصالح وتوليته هي الشاذ، فقد جاء عمر بن عبد العزيز منفردا في سلسلة من الخلفاء الضعفاء أو المتهاونين في شئون أمتهم، فكان الخليفة الفاضل يأتي مصادفة لا قصدا.
إذن كان يجب علينا أن نتعظ من الحوادث الأولى ولا نسمح لها بأن تتكرر، ولكننا لم نتعظ، حتى إن الدول التي وضعت أنظمة لولاية الملك باختيار الأرشد فالأرشد ، مثل الدولة العثمانية، اختل حبل النظام فيها، وأخذ القوي المبعد يسعى بكل الوسائل للاستيلاء على الملك ولم يتردد في هذا السبيل.
ينتج عن هذا أن التساهل في مسألة واحدة، وهي تفضيل الأقارب والأصهار، جلب كل المصائب التي حلت بالإسلام، كانوا يقولون إن الخلفاء فسدوا أو ضعفوا أو مكنوا الأجانب أو حاربوا العلماء أو اضطهدوا النابغين، وكل هذا صحيح لأن الرجل الذي كان على رأس الخلافة لم يكن الرجل الواجب الوجود، ولو أنه سلك في وجوده عين الخطة التي رسمها النبي ما وقع الإسلام فيما وقع فيه. إن النبي لم يضع نظاما للملك ولم يضع للدولة دستورا، هذا صحيح، ولكن لا ننسى أن النبي ترك أنظمة ودساتير لا تعد، في القرآن والسنة، ولو أنه أراد أن يحصر الملك أو السلطة في شخص معين ما كان هذا ليعجزه، ولكن احتراما للحرية ورغبة منه في تربية الشعب تربية سياسية ترك لهم الخيار بعد أن أبان لهم الحق من الباطل في مئات الأحاديث بعد الآيات القرآنية وفي خطبة الوداع التي تعد من أمهات الدساتير الإنسانية في الحكم والإدارة، فماذا يصنع النبي لشعب فاسد أو لأمة خالية من المبادئ أو لرجال يفضلون المصلحة الخاصة على المصلحة العامة؟ ليس على أعمال النبي غبار حتى في نظر ألد خصومه، ولكن العيب كله راجع للذين جاءوا بعده وخلطوا وأفسدوا.
ماذا نرى في الشرق؟ الزعيم الدين أولا.
قام في الشرق عشرات من الزعماء الدينيين درسناهم بإيجاز في مكان آخر من هذا الكتاب، إنما الذى يهمنا الآن الزعيم أو البطل الديني الذي جاء بعقيدة منزلة، وهم في الشرق السامي ثلاثة موسى وعيسى ومحمد، ونترك غيرهم من الأنبياء المرسلين أمثال إبراهيم ونوح ويوسف، لأنهم لم يؤسسوا دولا أو بعبارة أخرى لأن أديانهم لم تؤد إلى إيجاد أنظمة سياسية أو اجتماعية، أما هؤلاء الثلاثة فقد أسسوا دولا لا تزال باقية في الشرق حتى الساعة.
Неизвестная страница