Жизнь Востока: страны, народы, прошлое и настоящее

Мухаммад Лутфи Джума d. 1372 AH
146

Жизнь Востока: страны, народы, прошлое и настоящее

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

Жанры

وكان الترك في أثناء انعقاد المؤتمر العربي بباريس قد استدرجوا الزهراوي واستمالوه وصالحوه فقبل وعودهم وعاد إلى الأستانة (بعد أن تورط مع فرنسا وإنجلترا) وقبل المنصب المشار إليه فأغضب الناحيتين، وكان هذا محض بله وسخف منه، لأنه - رحمه الله - لم يكن سياسيا ولا مفكرا.

وكان في مصر رفيق العظم وأحد أصحاب المجلات الدينية الإسلامية وهو سوري مسلم، وكان في البصرة طالب النقيب مطالبا بالإصلاح على شاكلة هؤلاء، وله علاقة متينة بقنصل إنجلترا في البصرة فسهل في سنة 1919 لقنصل المحمرة الإنجليزي وقنصل بندر بوشهر الإنجليز التوغل سرا بين الفاو والسبيليان ووضعا خريطة لسياحتهما، وأراد أن يسمح لضباط إنجليز بمثلها في «قرمه علي» فلم يفلح.

وكان كل فريق من هؤلاء المطالبين بالإصلاح واللامركزية والثورة العربية سواء كانوا في مصر أو في سورية أو في بغداد أو في البصرة يظهر بمظاهر تخالف الحقيقة، فإن بذخهم وإسرافهم كانا يدلان على اتصالهم بمصادر غنية تنفق الذهب جزافا ومن غير حساب، فكنت ترى بعض هؤلاء من المقيمين في مصر يقتنون الأملاك وليس لهم مصادر ثروة معروفة وتراهم أبدا يعملون في الخفاء وفي غموض يشبه أحوال المتآمرين وهم أبدا في انتقال بين ممالك الشرق، وتراهم إذا كتبوا لم يقصدوا إلا الدفاع عن فكرة الاستعمار ولكنهم يحاولون إخفاء فكرتهم، ولم يتصلوا بأحد من ذوي النفوذ والجاه إلا وابتزوا منه الأموال باسم الدين أو باسم الإصلاح. وكان أحدهم وهو المقيم في البصرة يكثر من الاجتماع بخزعل ومبارك الصباح وهما ثعبانان من ثعابين الشرق العتيقة السامة، وقد قضى أحدهما بعد أن لدغ الإسلام وكان على وشك أن يقضي عليه ابن سعود وقد تربى في حجره في خبر يطول شرحه، ولا يزال الثاني أسيرا في قبضة الفرس. وكما فاز الترك في استدراج الزهراوي لقاء منصب مجلس الأعيان كذلك فازوا بفضل دهاء المغفور له المرحوم طلعت باشا في إسكات طالب النقيب، فأعلن في 7 ربيع أول سنة 1332 أنه تنازل عن مطالبته بالإصلاح «وصرنا مع الحكومة السنية العثمانية كتلة واحدة نعمل على سعادة دولتنا الأبدية ونسعى في المحافظة على وحدتنا العثمانية بكل قوانا حتى لا يبقى منا فرد واحد» ...

من تونزند إلى مود

ولما أعلنت الحرب العظمى كان طالب النقيب أول من فر من السلطة العسكرية العثمانية فحج وقصد نجدا ثم نفي إلى الهند.

ولما اشتعلت نار الحرب بالعراق احتلت إنجلترا البصرة بمعونة مبارك الصباح وخزعل وخيانتهما التي لا شك فيها، ولكنها هزمت في موقعة الإيوان وسلمت كوت الإمارة ووقع تونزند أسيرا في يد الجيوش العثمانية، وقد ألف كتابا ضخما في خواطره في حوادث تلك الحرب، وقد حاول فيها تبرير مسلكه الحربي واتباعه قواعد الحرب الفنية مقتديا بآراء نابوليون ولدندورف والكتاب مترجم إلى العربية ومطبوع في بغداد، وقد مات تونزند بعد ذلك، قيل من شدة الحزن والندم، ولأم المخطئ الهبل. وفي 11 آذار 1917 سقطت بغداد في أيدي الجنرال مود الذي ذهب ضحية مروءته، لأنه دعي إلى خيمة أحد شيوخ القبائل وحذروه من شرب القهوة لانتشار الوباء فعز عليه أن يأبى كرامة العربي وشرب قهوته وهو يعلم أن فيها الموت الزؤام، ومرض ومات فعلا بعد ذلك ببضعة أيام فأقاموا له في عاصمة العباسيين تمثالا! وقد اتبع مود بعد دخول بغداد ما اتبعه كل غزاة الإنجليز من تخدير الأعصاب فنشر منشورا مثل الذي نشره الجنرال ولزلي الإنجليزي الذي دخل مصر فكلاهما جاء البلاد منقذا محررا لا غازيا ولا فاتحا، وما ذلك إلا ليأمنوا عاقبة هياج الشعب المغلوب. حتى إذا بردت تلك الهمة وأطفئت نار النخوة التي تتأجج في صدور الشعب المغلوب، أظهروا لنا إن كانوا جاءوا منقذين ومحررين أم غزاة وفاتحين وسالبين ومغتصبين أم أصدقاء كرماء وحلفاء يستحقون المصافاة والوفاء.

عمل مود عمله، وحل محله ويلسون الذي أراد تنفيذ فكرة المجالس البلدية، وهو أشبه الناس باللورد دوفرين الذي جاء مصر بعد موقعة التل الكبير مباشرة ووضع دستورا يقوم على إيجاد المجالس البلدية ومجلس شورى القوانين والجمعية العمومية. ولكن مود الذي كان قائدا مجدودا في الحرب لم يكن هو الآخر إلا منفذا لخطة مرسومة، فإنه أخذ يذكر أهل العراق بمظالم الأتراك (إحنا في إيه ولا في إيه؟!) فذكرهم بهولاكو الذي هزم الدولة العباسية وخرب القصور والحدائق والحقول وقتل الناس وأغرق الكتب (تلميح إلى أن احمدوا الله على أننا لم نفعل فعله)، وذكر لهم وعود مدحت بالإصلاح وعجزه عن الوفاء وبشر العراق بالارتباط بدولة جلالة جورج الخامس، ولم ينس في هذا المنشور أن يذكر جلالة الحسين بن علي الذي طرد الترك والألمان من الجزيرة. «وإن بريطانيا العظمى مصممة هي وحلفاؤها العظام على أن لا يذهب ما قاساه هؤلاء الأعراب الشرفاء هباء منثورا ...»

وقد جاءت حوادث التاريخ اللاحقة بما يدل على مكانة هذا الوعد من الصدق والوفاء أو ضدهما.

ولم يقصر الإنجليز في إيهام العراق بما أوهموا به كل الممالك العربية من أنهم والحلفاء يحاربون لتحرير الشعوب المستضعفة ولتشجيع تلك الأمم التي كانت تحكمها تركيا بالظلم والاستبداد في إنشاء حكومات وإدارات وطنية في كل من سورية والعراق وفي الأقطار العربية التي يسعى الحلفاء في تحريرها والاعتراف بهذه الأقطار بمجرد تأسيس حكوماتها تأسيسا فعليا. (راجع جريدة العرب عدد 140).

وبدأ الإنجليز يحكمون العراق بموظفين ملكيين جعلوا البلاد على عادتهم ميدانا للتجارب الحكومية، لأنهم لا يعرفون الشعب الذي قدر لهم أن يحكموه ويستفيدون يوما فيوما أمورا جديدة. ومثل ذلك حدث في الهند وفي مصر وفي السودان، فالإنجليز يعتقدون أن الفرد منهم قادر على كل شيء وقليل من التعليمات وكثير من الاختبار الشخصي يكفيانه لحكم العالم، وذلك بفضل الغرور والكبرياء وفكرة الترفع عن الشعوب المحكومة والوقوف منها بموقف الأرباب والآلهة، وكان من نتائج تلك الحال أن الشعب العراقي لم يقنع بفكرة المجالس البلدية التي أدرك أنها حيلة وقتية. وبدأ الإنجليز يصادرون حرية الفكر والقول والكتابة في الصحف، وقربت الحكومة إلى حظيرتها جماعة الأعيان الذين يشبهون باشوات مصر وجعلتهم المرجع الأعلى في حكم الأمة، وهم أرباب مصالح تتنافى مع الوطنية وكلهم أهل تزلف وتمليق حتى إن سبعة من هؤلاء الأشراف والأعيان اجتمعوا وقرروا طلب تعيين السير برسي كوكس ملكا على العراق مع إعلان حماية بريطانيا عليه.

Неизвестная страница