Жизнь Востока: страны, народы, прошлое и настоящее
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Жанры
وكان في هذه الفترة تياران عظيمان يتنازعان الدولة العثمانية؛ الأول: تيار الجامعة الإسلامية، الذي كان بطله الأكبر عبد الحميد الثاني، وكان هذا التيار يقتضي انضمام العرب وإخلاصهم، وهذا التيار قد ضعف وتلاشى بسقوط عبد الحميد وبتألب العرب واتفاقهم مع أعداء الترك من وراء ظهورهم. ولم يبق إلا التيار الطوراني الذي كان يرتكن أولا إلى الجنسية وهي نظرية حديثة ملائمة للزمان والتطور، وثانيا إلى الدين، لأن كل الطورانيين الحاليين مسلمون، ولا نأبه مطلقا لما شاع وملأ الأسماع من اتهام الأتراك بعبادة الدب الأبيض ورجوعهم إلى الوثنية أو عبادة الفتيش. وإن كان الدب الأبيض قد ذكر في بعض كتابات هؤلاء الدعاة، فلعله ذكر بمثابة توتيم كما يذكر الرومان الذئبة التي أرضعت التوءمين روميلوس ورينوس، وليس في هذه الذكرى عبادة أو تقديس، ولا يزال بعض قبائل العرب ينتسبون إلى «صقر» و«كلاب» ولا يطعن هذا في دينهم ولكنه بقايا من عادة اتخاذ كل قبيل لشعار من فصائل الحيوان.
وإنني على يقين من أن خرافة الدب الأبيض كانت دسيسة لإضعاف شأن الطورانية في نظر العالم وإهاجة الرأي العام الإسلامي ضدهم، فإن طلعت وجمال وناظم وضياء كوك آلب وشكري بك لم يكونوا وثنيين، كما أن أنور الذي كان متمسكا بدينه كان يعتقد أن أتراك آسيا الذين كانوا يحنون إلى أتراك أوروبا ويعقدون آمالهم على أهل اصطامبول إنما يحنون إليهم لكونهم مسلمين لا لكونهم أتراكا، فلو كان أتراك أوروبا وثنيين ما عرفهم أتراك آسيا ولا سألوا عنهم، وقد دلل علماء تركستان على صدق إيمانهم بأعمالهم.
صحيح أن الأتراك أخذوا في صبغ كل شيء بالصبغة التركية، وكانوا يضمرون أنهم إذا تقووا بأتراك آسيا يستطيعون استرداد قوتهم في العالم، وربما كان ذلك يكون في مصلحة العالم الإسلامي كله؛ ولكن العرب ومن ورائهم الأوروبيون المستعمرون والسوريون المسيحيون المتوطنون في باريس والقاهرة وبعضهم باعوا أنفسهم وضمائرهم للأجانب، لم يمهلوهم وانتهزوا هذه الفرصة لإشعال نار الفتنة، فكان رجال أمثال جورج سمنة وأيوب ثابت ويوسف هاني وشكري غانم وندرة مطران ونجيب عازوري وغيرهم حلقة اتصال بين أوروبا المستعمرة وبين العرب البسطاء سواء في الحجاز والجزيرة العربية وفي سورية وفلسطين، وهاجوهم فعلا على الأتراك بكتب وصحف ومجلات ومؤتمرات.
وكنت في الأستانة في شتاء سنة 1910 وأوائل سنة 1911 وقد رأيت بوادر هذه الحركة ولقيت بعض زعماء العرب مثل شفيق المؤيد وعبد الحميد الزهراوي، وكانوا إذ ذاك أعضاء في مجلس الأعيان العثماني، وحولهم لفيف من عرب الأستانة وطلاب العلم في المدارس العليا وهم من العرب، وقد رووا لي أخبارا كثيرة عن اضطهاد الترك للعرب في الدواوين والمدارس والصحافة وغيرها.
وقد روى لي بعد ذلك أحد الثقاة المطلعين على دخائل تلك الحركة وممن عاشوا في الأستانة في سنة 1911 وسنة 1912 ولم يكن ينقطع عن التردد عليها وكان على اتصال دائم بالاتحاديين ولا سيما المرحومين طلعت وأنور؛ أن كوك آلب السالف الذكر كان كرديا وكان داعية إلى الجامعة الكردية وألف كتبا في النحو والصرف الكرديين ورسم خطة للوحدة الكردية، ولكنه انقلب في عشية وضحاها إلى الحركة الطورانية وسايرها ودعا إليها وألف فيها شعرا ونثرا. وأخذ شبان الأتراك لا سيما الضباط يغيرون أسماءهم ويبدلونها من الأعلام العربية إلى أعلام آسيوية تترية مثل ألب وجنكيز وتيمور، وأخذ ولاة الأمور يتخلصون من الألفاظ العربية في لغتهم.
وألف عبيد الله أفندي النائب في البرلمان العثماني كتاب «قوم جديد»، دعا فيه إلى تقديس أسماء طلعت وأنور وجمال وناظم وإحلالها محل محمد وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي في القبة الكبرى بمسجد أجا صوفيا. وأخذ الترك يضطهدون العرب الذين يشغلون المناصب في الدولة، فيضعون أمام كل عربي حرف «ع» وينتهزون الفرصة الأولى لفصله من خدمة الدولة بإقصائه إلى أطراف المملكة أو إلى قلب الأناضول ليحلوا محله موظفا تركيا يكون أكثر ائتمانا على أسرار الدولة. وسرت هذه الحركة إلى الجيش، فزعموا أنه بعد أن كانت الفرق تنهض صباحا على أذان المؤذن والوضوء فالصلاة الإسلامية أخذوا يوقظونهم بأجراس لينشدوا نشيد الدب الأبيض. وقد أخذ شبان الأتراك يتقربون إلى الأرمن واليهود والأروام ويحتقرون العرب ويبتعدون عنهم، كذلك كانت حال العرب نحوهم. وقد سمعت هذه الشكاوى بأذني من بعض طلاب العرب في المدارس الحربية ومكتب الحقوق والطب.
كتاب «قوم جديد» والنفور بين العرب والترك
وكان العرب المقيمون في الأستانة قد غضبوا لهذا مع أن أقاربهم وإخوانهم في الحجاز وسوريا واليمن هم أصل هذا البلاء، فاجتمعوا وألفوا فيما بينهم جمعية العهد العربية السرية ليناهضوا بها جمعيات الوطن التركي والجنسية الطورانية التي تألفت في الأستانة، وحسبوا أن العالم العربي في العراق وجزيرة العرب وسوريا وشمال أفريقيا يبلغ نحو ثلاثين أو خمسة وثلاثين مليونا وهم أغلبية بالنسبة إلى أتراك أوروبا، وإن كانوا مغبونين في التمثيل السياسي لأنهم مع كثرتهم في الحقيقة لا تمثلهم في البرلمان التركي إلا أقلية، لأن الأتراك احتفظوا لأنفسهم بالأغلبية.
وهذه حقيقة لا ريب فيها ولكن العرب تجاهلوا المقصود منها، وهو أن الترك كانوا حتى هذه الساعة هم العنصر الغالب في الدولة فيجب أن يكون الحكم في أيديهم، ولا يكون ذلك إلا بكثرتهم في المجلس وتشكيل الوزارة منهم مع تمثيل العرب بوزيرين أو ثلاثة . وكان يمكنهم أن ينتظروا حتى يطمئن النظام الدستوري في البلاد ويطلبوا بالتدريج تعميم حق الانتخاب وتعديل قانونه بحيث يكفلون الكثرة البرلمانية على ممر السنين، ولكنهم تعجلوا واتخذوا من خطة الأتراك التي كانت عبارة عن وسيلة من وسائل الدفاع عن الكيان التركي سببا للمعاداة والشغب.
ومما يؤسف له أن رجالا من أعظم رجال العرب في الجيش العثماني ومن أشهر قواد تركيا الذي أحلهم الأتراك أعلى محل، كان لهم أيد في تلك الجمعية التي ضمت إلى صدرها كثيرين من جهلاء العرب ودهمائهم ممن لم يكن لهم في السياسة نظر قريب ولا بعيد.
Неизвестная страница