ومن خلال محادثة بين أمي وفيرن حاولت أمي خلالها بلا جدوى أن ترسلني خارج الغرفة - وأعتقد أنها كانت تقوم بذلك كتصرف شكلي، فذات مرة طلبت مني أن أخرج ولكنها لم تكترث بما إذا كنت قد خرجت بالفعل أم لا - علمت أن السيدة شيريف قد عانت من مشاكل غريبة في عائلتها نتجت عن - أو أدت إلى - نوع من غرابة الأطوار والجنون فيها، فقد توفي ابنها الأكبر بسبب إدمان الشراب، وابنها الثاني يتردد على مصحة (وهو الاسم الذي نطلقه على مستشفى الأمراض العقلية في جوبيلي)، وانتحرت ابنتها إذ أغرقت نفسها في نهر واواناش. وماذا عن زوجها؟ قالت أمي بجفاء إنه كان يملك متجرا للمنسوجات والملابس الجاهزة، وكان أحد أهم الشخصيات في المجتمع، وأشارت فيرن إلى أنه ربما كان مصابا بالزهري ونقل المرض إليها، كما أن هذا المرض يهاجم المخ في الجيل الثاني، فكلهم منافقون، أولئك المتأنقون. وقالت أمي: إن السيدة شيريف ظلت أعواما طويلة ترتدي ثياب ابنتها المتوفاة في المنزل وبينما تقوم بالعناية بالحديقة حتى أبلتها تماما.
وثمة قصة أخرى؛ فذات مرة نسي متجر ريد فرونت أن يضع رطلا من الزبد في طلباتها، فخرجت تطارد عامل توصيل الطلبات حاملة فأسا صغيرة. «يا يسوع ارحمنا.»
وفي ذلك الأسبوع أيضا فعلت شيئا بذيئا، فقد طلبت من الرب أن يثبت لي وجوده عن طريق إجابة دعاء، وكان الدعاء يتعلق بما يدعى مادة «الاقتصاد المنزلي» التي كانت مقررة علينا في المدرسة مرة واحدة أسبوعيا عصر يوم الخميس. في تلك المادة كنا نتعلم الحياكة والكروشيه والتطريز وتشغيل ماكينة الخياطة، وكان كل ما نقوم به لا يحتمل أكثر من تلك الأخيرة؛ فقد كانت يداي تصبحان لزجتين من العرق، وتبدو غرفة الاقتصاد المنزلي نفسها، بماكينات الخياطة الثلاث العتيقة وطاولات القص والتماثيل المكسرة، كما لو كانت حلبة تعذيب، وقد كانت كذلك بالفعل. كانت السيدة فوربس المعلمة امرأة قصيرة بدينة تضع مساحيق التجميل على وجهها بطريقة تجعلها تبدو مثل دمية من السليوليد، وكانت مرحة مع معظم الفتيات، ولكن غبائي ويدي الغليظتين الخرقاوين، اللتين تتسببان في تجعد المنديل القذر الذي كان يفترض بي أن أحيك أطرافه، أو أعمال الكروشيه البائسة؛ كانت تجعلها تستشيط غضبا. «انظرن إلى العمل القذر! هذا العمل القذر! لقد سمعت عنك، أنت تظنين أنك بارعة فيما يتعلق بالذاكرة (كنت مشهورة بحفظ القصائد بسرعة) ولكنك الآن تقومين بعمل غرز تخجل منها أي طفلة في السادسة من عمرها!»
والآن كانت تحاول تعليمي وضع الخيط في ماكينة الخياطة ، ولكنني لم أستطع أن أتعلمه. كنا نصنع المآزر المطرزة بقماش على شكل أزهار الخزامى، وكانت بعض الفتيات تنتهين من أزهار التيوليب أو تقمن بحياكة الحواف بينما لا أكون قد انتهيت من حياكة الحزام بعد؛ لأنني لم أستطع وضع الخيط في ماكينة الخياطة، وقالت السيدة فوربس إنها لن تريني كيف أقوم بذلك مرة أخرى. على أية حال، لم تكن محاولتها أن تريني ذلك ذات جدوى من الأساس؛ فيداها السريعتان أمامي بالإضافة إلى نظرات الاحتقار التي كانت ترمقني بها كانت تصيبني بالذهول والعمى والشلل.
ومن ثم، فقد دعوت: «أرجوك لا تجعلني أضع الخيط في آلة الخياطة عصر يوم الخميس.» وكررتها عدة مرات في ذهني، بسرعة وجدية وبدون مشاعر كما لو كنت أجرب تعويذة، ولم أستخدم أي صيغة تضرع أو مساومة خاصة. لم أكن أطلب أي شيء استثنائي كأن يشب حريق في غرفة الاقتصاد المنزلي، أو أن تنزلق السيدة فوربس في الطريق وتكسر ساقها، لا شيء سوى تدخل بسيط غير محدد.
ولكن لم يحدث شيء، فلم تنسني المعلمة، وأرسلتني في بداية الحصة إلى ماكينة الخياطة، فجلست هناك محاولة اكتشاف أين أضع الخيط، لم يكن لدي أي أمل في وضعه في المكان الصحيح، ولكن كان علي أن أضعه في أي مكان كي أثبت لها أنني أحاول، فأتت ووقفت خلفي وهي تتنفس باشمئزاز، وكالعادة بدأت ساقي ترتعد وتهتز بشدة حتى إنني حركت الدواسة وبدأت الآلة تعمل ببطء بلا خيط فيها.
فقالت السيدة فوربس: «حسنا، يا ديل.» فوجئت بصوتها الذي لم يكن يوحي بالطيبة بالطبع، ولكنه لم يكن غاضبا، بل كان سئما فحسب. «لقد قلت حسنا، يمكنك النهوض.»
وأمسكت بقطع المئزر التي قمت بحياكتها على نحو يائس، وجعدتها في بعضها وألقت بها في صندوق القمامة.
ثم قالت: «لا يمكنك أن تتعلمي الحياكة كما لا يمكن لشخص غير قادر على تمييز الفرق بين النغمات الصوتية أن يتعلم الغناء. لقد حاولت وفشلت. تعالي معي.»
أعطتني مقشة قائلة: «إذا كنت تعرفين كيف تكنسين الأرض، فأريدك أن تنظفي هذه الغرفة وأن تلقي بالفضلات في صندوق القمامة وتصبحي مسئولة عن المحافظة على نظافة الأرض. وعندما تفرغين من ذلك يمكنك الجلوس على المائدة هنا في الخلف وحفظ الشعر أو أي كان.»
Неизвестная страница