أكدتا لي أنها مهمة شاقة، وأنها تتطلب مني الكثير، ولكنهما اعتقدتا أنها ستصبح أكثر يسرا؛ إذا أخذت المخطوطة معي للمنزل، واحتفظت بها، وظللت أقرؤها من حين لآخر؛ كي أعتاد على كتابة العم كريج. «كان لديه الموهبة. كان بإمكانه أن يضم كافة التفاصيل ويحافظ على السلاسة في القراءة.» «ربما تتعلمين محاكاة طريقته.»
ولكنهما كانتا تتحدثان إلى شخص يعتقد أن المهمة الوحيدة للكاتب هي إنتاج تحفة أدبية.
وعندما رحلت حملت الصندوق معي بصعوبة تحت ذراعي. وقفت العمة إلسبيث والعمة جريس في مدخل المنزل تودعانني بطريقة احتفالية، وشعرت كما لو أنني سفينة تحمل على متنها آمالهما وتشد الرحال وتختفي في الأفق. وضعت الصندوق أسفل فراشي في المنزل، ولم أستطع مناقشة ذلك الأمر مع أمي. وبعد مرور بضعة أيام خطر لي أنه مكان مناسب أحتفظ فيه بالقصائد القليلة وأجزاء الرواية غير المكتملة التي كتبتها؛ فقد كنت أرغب في إخفائها بعيدا بأمان، حيث لا يجدها أحد، وحيث تظل آمنة في حالة اندلاع حريق. فرفعت حشية الفراش وأخرجتها، حيث كنت أحتفظ بها حتى ذلك الوقت في هذا المكان مطوية داخل نسخة كبيرة مسطحة من رواية «مرتفعات ويذرينج».
لم أرغب في وضع مخطوطة العم كريج مع مؤلفاتي الخاصة، فقد بدت لي فاقدة للحياة، ثقيلة ومملة وعديمة الفائدة، حتى إنني ظننت أنها سوف تفقد مؤلفاتي الخاصة الروح وتجلب لي الحظ السيئ، فأخذتها إلى القبو وتركتها في صندوق من الورق المقوى.
وفي الربيع الأخير الذي قضيته في جوبيلي عندما كنت أذاكر لخوض الاختبارات النهائية، انغمر القبو بالماء حتى ارتفاع ثلاث أو أربع بوصات، ونادتني أمي كي أساعدها، فهبطنا وفتحنا الباب الخلفي، ونزحنا المياه الباردة ذات الرائحة الكريهة التي تشبه رائحة المستنقعات نحو مصرف خارجي، فوجدت الصندوق والمخطوطة وكنت قد نسيت أمرهما تماما، وتحولت المخطوطة إلى مجرد رزمة كبيرة من الأوراق المبللة.
لم أتفقدها كي أرى التلف الذي لحق بها أو ما إذا كانت قابلة للإنقاذ، بل بدا الأمر لي خطأ منذ بدايته إلى نهايته.
بالطبع فكرت في العمة إلسبيث والعمة جريس (كانت العمة جريس في ذلك الوقت في مستشفى جوبيلي تتعافى - كما ظن الجميع - من كسر في مفصل الفخذ، وكانت العمة إلسبيث تزورها يوميا وتجلس بجوارها وتقول للممرضات - اللاتي كن يحببنهما - «أتصدقن ما قد يفعله البعض كي يرقدوا في الفراش ويستمتعن بخدمة ورعاية الآخرين لهم؟») ظللت أفكر فيهما وهما تريان المخطوطة وهي تغادر منزلهما في صندوقها المغلق وشعرت بالندم؛ ذلك النوع من الندم الرقيق الذي يحمل على الجانب الآخر منه شعورا قاسيا بالرضا لا تشوبه شائبة.
الأميرة إيدا
أصبحت أمي تبيع الموسوعات، وأطلقت العمة إلسبيث والعمة جريس على ذلك العمل «الخروج في الطرقات!»
وكانتا تسألاني: «هل تخرج والدتك في الطرقات كثيرا هذه الأيام؟» وكنت أجيب: «كلا، لم تعد تخرج كثيرا.» ولكنني كنت أعلم أنهما تعلمان أنني أكذب، وقد تتابعان بلهجة مشفقة قائلتين: «لا يكون لديها متسع من الوقت للكي، عندما تضطر إلى الخروج في الطرقات.»
Неизвестная страница